يقع كتاب (قصة الألوان) لأستاذ العمارة والفنون الجميلة الإيطالي (مانليو بروزاتين) في 200 صفحة من القطع المتوسط الجميل بورق مائل إلى الأصفر الموزي ما يذكّرك أو يشعرك بورق البردي الأصيل للكتابة وفي تاريخ الورق، غير أن (قصة الألوان) هي أكثر من قصة.. الألوان والحروب مثلاً، زخرفة الكتب، الألوان الممسوخة، ألوان بدلات الجنود التي تحيل إلى التنكر العسكري، ثم قصة: الصبغة، ثم الضوء، ثم قصة الملك والرسام، بل إن ثمة كبرياء للألوان.. «..الكتاب من ترجمة: السنوسي ستيته».
قصص كثيرة بوسعي أن أسردها عليك من هذا الكتاب الخفيف الذي يُقرأ بمتعة على الرغم من الثقل الفلسفي الوارد فيه، غير أن فيه مع كل ذلك رائحة موز تنبعث من الورق، وهي هنا رائحة مجازية بالطبع، ولو أن بإمكان صانع ورق محترف أن يجعل لنا ورقاً من ورق الموز.
من الأصفر والأحمر والأزرق تولد كل الألوان. الأخضر من الأصفر والأزرق، والرمادي من الأبيض والأسود.. ولكن ماذا بشأن رمزيات اللون؟
العقيق الأحمر: الشجاعة، التوباز الأصفر: الدماثة، الأرجواني: القوّة، البنفسجي: مقارعة الحزن، الأصفر الذهبي: مضاد للحسد.. ولك أنت أن تصدّق اللون ومازج اللون أو لا تصدّقه..
لكن في مكان آخر تتغير رمزيات اللون: الأخضر يعني الأمل،.. الأحمر: انتقام وقسوة، الأسود: كربٌ سببه حب مع موت، الأبيض: نقاء وحقيقة وصدق الرّوح والقلب، الأصفر: هيمنة وعجرفة..
للون علاقة بالفلسفة أيضاً، الرواقيّون والأبيقوريون ثمّنوا تبادلياً كما يقول المؤلف تأثيرات اللون ضمن علاقة الأحاسيس البحتة، أما أوّل خلاصة عن جوهر اللون، كما يقول المؤلف، فقد تطوّرت عن تعاليم أرسطو..
حتى العقل الرياضي العبقري (نيوتن) له علاقة باللون شأنه شأن الرسّامين.. (.. جاء ذلك الرجل، نيوتن، وبمساعدة موشور فقط أثبت بطريقة بدهية أن الضوء حزمة أشعّة ملوّنة تنتج مجتمعة معاً اللون الأبيض..).
حين كان (غوته) يكتب (فاوست) اتصل بعلم البصريات، وبعيداً عن مآسي الحرب كما يقول (بروزاتين)، تَلَهّى (غوته)، فلسفياً، بملاحظات وقتية أجراها على الألوان فوق ضفاف غدران مياه ساكنه.
نحسب أحياناً، بل ربما في الكثير من الأحيان أن اللون حاكورة أو عزبة مسجلة في الشهر العقاري باسم الرسّام فقط، وأن خشبة المسرح ممنوع الوقوف عليها ما لم يأتِ الممثل أو المخرج ويزيح الستارة، وأن الموسيقى عيد أخضر فقط للكمنجية والعوّادين، في حين أن الفنون تولد في الرياح، والمرأة الواحدة في ثوبها أكثر من وردة.
