عادي
كتاب يدرس المسائل الشائكة لأفكاره وأثرها في الآخرين

تحريفات خطيرة لنظرية «سوسير» في علم اللغة

22:59 مساء
قراءة 3 دقائق
روي هاريس
القاهرة: «الخليج»
فردینان دو سوسير رائد علم اللغة الحديث ومؤسس المدرسة البنيوية في اللغة، أول من أسس الدراسة البنيوية للغة كما حدد الفرق بين منظومة اللغة (اللسان) وكلام الأفراد (الكلام) وأول من ميز بين المنهج التزامني في دراسة اللغة (أي دراسة اللغة في زمن معين) والمنهج التعاقبي (أي دراسة اللغة من خلال تغيرها عبر الزمن) إضافة إلى تأثيره في ميادين المعرفة الأخرى كالفلسفة والأدب.
قام اثنان من زملائه في جامعة جنيف عام 1916 بتجميع أجزاء الكتاب بعيد وفاة سوسير المبكرة، وقد صنفا أحدث المدونات لدى تلاميذه وشذرات من الملحوظات مكتوبة بخط اليد، وبتحقيق النسخة المعروفة من كتاب «دروس في علم اللغة العام» ونشرها، بقيت هذه النسخة ذات تأثير كبير لعقود من الزمان بعد نشرها على الرغم من الثغرات الكثيرة فيها، فضلاً عن حرية التصرف التي مارسها المُحققان.
الحقيقة المعروفة هي أن سوسير نفسه لم يكتب ذلك النص الوارد في الكتاب، وعلى الرغم من أن الشكوك حامت حول مصداقية الطريقة التي اعتمدها المُحققان وموثوقية النص الذي نتج لديهما، فإن كتاب «دروس» يُعد بشكل عام انعكاساً دقيقاً لفكره في مجال اللغة والإشارة، واحتفي بالكتاب في أوروبا بصفته المعين الذي لا ينضب لعلم اللغة الحديث والسيمياء.
اهتم علماء اللغة في العالم بأفكار سوسير بعدما ترجم كتابه إلى الإنجليزية على يد أستاذ علم اللغة في جامعة أكسفورد روي هاريس في عام 1983 وهو مؤلف كتاب «سوسير ومؤولوه» (ترجمه إلى العربية أحمد شاكر الكلابي) وفي الوقت نفسه، آثار تساؤلاته بشكل قاطع، وهي تخص أصالة فكره اللغوي من ناحية، والظروف التي جمع الكتاب فيها، بعيد وفاته من الناحية الأخرى.
تكمن فائدة هذا الكتاب الذي بين أيدينا للقارئ العربي في كونه محاولة جريئة في التحليل والنقد لآراء سوسير وأفكاره التي تشكل نظريته اللغوية من ناحية، ولكونه تقصياً دقيقاً لما كتبه الأعلام من المشتغلين بعلم اللغة وفي ذلك درس لنا يبلغنا أن المفكرين والمنظرين ليسوا بمنأى عن قلم الناقد المنصف وأدواته التحليلية، وأن كتابات سوسير ليست نصوصاً مقدسة، بل هي تحمل أفكاراً تحتمل الصحة والخطأ، وهكذا ينبغي مناقشتها ونزع صفة القداسة عنها.
جدل
يقوم هاريس في كتابه هذا بدراسة تأويلات عدد من المفكرين لنظرية سوسير، وهو يُؤدِّي ذاك من خلال التركيز على عدد قليل من المفكرين الذين يُمثلون جمهور المؤولين، ويستفيد في هذا الكتاب من خبرته الواسعة؛ كونه مطلعاً على مدونات التلاميذ التي اعتمدت في تحقيق ما عرف في ما بعد بكتاب سوسير، دروس في علم اللغة العام، وإخراجه إلى حيز الوجود وقد بنيت على تلك المدونات النسخة الأولى المنشورة من الكتاب). يمثل الكتاب دراسة للمسألة الشائكة الخاصة بتأثير أفكار سوسير في الآخرين وتنشأ - في هذا السياق - مسائل شتى مثل صعوبة تقويم انتقال الأفكار بين علم وآخر، أو في الواقع بين تقليد ثقافي وفكري معين وتقليد آخر، ويُفاجئنا هاريس بكشفه تحريفات خطيرة لنظرية سوسير، فنتساءل هل بوسع المرء أن يوبخ بارت على التشويش الذي أدخله على كتابات سوسير؟ أم هل في الأمر غرابة عندما نكتشف أن بلومفيلد لا يستوعب كتاب سوسیر «دروس» بدرجة العمق نفسها التي يستوعبه بها بالي؟
يقترح هاريس عنواناً ربما كان أفضل لكتابه وهو سوسير ومحرفوه، لأن سوسير الذي نعرفه الآن هو نفسه مؤلف الكثير من المدونات المخطوطة وكتابات أخرى، فضلاً عن كتاب دروس المنشور بعيد وفاته، غير أن محرفي كتابات سوسير لم يكونوا هم المستخدمين الوحيدين لتلك النصوص في الواقع.
يناقش الكتاب أيضاً مدى انتشار أعمال سوسير في القارة الأمريكية وآراء علماء اللغة الأمريكيين في تلك الأعمال، ويحاول سبر أغوار موقف الروسي ياكوبسن من سوسير ونظريته اللغوية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25ejw4hf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"