عادي
صدر في الشارقة

«حديث عن الحب»..الحياة بعدسة القصة القصيرة

18:31 مساء
قراءة 5 دقائق
ريموند كليفي كارفر
  • الناشر: دار روايات

الشارقة: علاء الدين محمود

في كتابه «عمّ نتحدث حين نتحدث عن الحب»، يأخذنا الكاتب والشاعر الأمريكي ريموند كليفي كارفر «1938 - 1988»، في رحلة من التأملات العميقة في عالم الحُب والخسران والتعاطف، والكتاب مجموعة سردية قصصية، تأخذ مشاهدها من مناطق مألوفة للجميع لكنّها معزولة في الوقت نفسه، بين رجال ونساء عاديين نلتقيهم يومياً، وهم يصطادون ويلعبون الورق، فهم في حالة انتظار الوقت أن يمضي فقط كما شاء، بأسلوبية تميل إلى السهل الممتنع، يستهدف الفكرة والمعنى لكنه في الوقت نفسه لا يهمل التشويق والإثارة وجماليات السرد.

الكتاب صدر في عام 2018، عن دار «روايات»، بترجمة سلطان فيصل، وهو من الأعمال السردية المهمة ذات التصنيف العالي، فالمؤلف كتب هذه المجموعة القصصية بحس حاد دقيق وطريقة تبسيطية عرف بها، ووجد الكتاب صدى في الولايات المتحدة وخارجها حول العالم، بل ووضع المؤلف في مصافّ أكثر المؤثّرين في المشهد الأدبي في الثمانينات من القرن الماضي، حيث أصبح كارفر اسماً كبيراً ونجماً يلمع في سماء القصة القصيرة بفضل هذه المجموعة تحديداً.

الكتاب

*مشاهد

يقع الكتاب في 183 صفحة، ويضم النصوص القصصية: «لما لا ترقصان»، «عدسة الكاميرا»، «أبو القهوة وأبو التصليح»، «خيمة المناسبات»، «أستطيع رؤية الأشياء الصغيرة»، «الاستحمام»، «قل للزوجات إننا ذاهبون»، «ما بعد البناطيل الزرقاء»، «مياه وفيرة في الجوار القريب»، «السبب الثالث الذي قتل والدي»، «كلام مهم»، «الرائق»، «عالم الميكانيكا»، «التصق كل شيء به»، «عم نتحدث حين نتحدث عن الحب»، و«أمر أخير»، وقد اعتبرت الكتابات القصصية للمؤلف بمثابة فتوحات جديدة في عالم القصة، فقد رفض كارفر الموضة التي كانت سائدة في ستينات وسبعينات القرن الماضي في أمريكا حيث الكتابة الإبداعية التجريبية، وتبنى بدلاً من ذلك أسلوباً واقعياً قصد منه تجديد السرد، وذلك ما يتوصل إليه القارئ في هذه المجموعة القصصية المميزة لمؤلف لم يجد التقدير الكافي في وقته، لكنه يعد اليوم، من قبل النقاد، من أفضل كتاب القصة القصيرة على مر العصور، وتتجلى تلك العبقرية بصورة كبيرة في اللوحات والمشاهد الإنسانية والعاطفية والاجتماعية التي صنعها الكاتب في هذه النصوص السردية الماتعة.

*لوحات

تنتمي النصوص القصصية في المؤلف إلى نوعية الكتابة عن الحياة اليومية، وهي تؤكد على قوة الالتقاط لدى الكاتب، وتأمله العميق في المجتمع وحركة الأفراد وكيف يجابه البشر واقعهم اليومي، ومشاكلهم، وكيف يعبرون بمشاعرهم المتباينة عن ما يمرون به، ونجحت المجموعة في رسم لوحات مشهدية مستمدة من الواقع بلغة عاطفية مؤثرة، وتنبع أهمية المجموعة من كونها توثيقاً إبداعياً لتفاصيل الحياة اليومية المهملة جداً والمستخف بها، لتكسوها دلالة ومعنى، والواقع أن الكتاب بمحتوياته الإبداعية صنع علامة فارقة، ووجد اهتماماً منقطع النظير ليس من القراء والنقاد وحدهم، بل وكذلك من قبل صناع السينما، عندما تحولت القصة الرئيسية فيه «عم نتحدث حيث نتحدث عن الحب»، إلى فيلم حاز أربع جوائز أوسكار عام 2015، وهو الأمر الذي يشير إلى حجم الحفاوة التي استقبلت بها المجموعة والاهتمام الذي وجدته، وكذلك تؤكد على مكانة نصوص الكتاب في خارطة القصة القصيرة على مستوى العالم، فالمجموعة السردية جاءت محملة بالأبعاد المعرفية، ومحتشدة بالمواقف الفكرية والروحية، وتفيض بالجمال والمتعة، ولعل جمال النصوص القصصية يكمن في كونها تحمل حنيناً لأزمنة مضت، ربما هو رفض لروح العصر.

*عالم الحب

يكتسب العنوان في هذه المجموعة دلالات مهمة، فهو العتبة النصية الشارحة لعوالم النصوص في المجموعة القصصية، حيث إن العنوان مأخوذ من اسم أهم قصة في الكتاب «عمّ نتحدث حين نتحدث عن الحب»، وهي التي تتناول جنون الحب وما بعد حدود العلاقات العاطفية بكلمات وحوارات موجزة من خلال خبرة أربعة أشخاص جمعتهم أمسية في مكان ما وهم بطل القصة وصديقه الطبيب، وزوجاتهما، وينشأ حوار عن الحب، والعلاقات السابقة، وأغرب أنواع الهوى والغرام، فتيري زوجة الطبيب تحدثت عن علاقة سابقة لها مع رجل أحبها لدرجة أن فكر بل وسعى إلى قتلها، وعندما هم بها ليضربها كان يردد «أحبك أحبك أحبك»، لينشأ نقاش حول هل يعبر ذلك السلوك عن حب حقيقي، أم هو محض جنون، ويتناول الحوار نماذج عن قصص مختلفة لأناس انتحروا أو أصيبوا بالجنون بسبب الحب، ليأخذ النقاش منحى تحليلياً وفلسفياً في تناول موضوع الحب.

*أساليب

تظهر النصوص الأسلوب السردي المميز للكاتب، فعلى الرغم من التكثيف والاختزال كتقنيات مهمة في العمل القصصي، هناك قوة في الوصف بكلمات ومفردات قليلة لكنها شديدة التعبير عن الموقف أو الحالة المعينة، ففي قصة «لم لا ترقصان»، يقدم الكاتب وصفاً موجزاًً ومدهشاً لغرفة النوم ومركزيتها في خارطة الشقة، وتأثيرها في حياة الزوجين، وكذلك هناك الاستهلاليات المدهشة التي تعتمد على المفارقة أو الغرائبية للفت انتباه القارئ وكسب تركيزه، ففي النص المعنون ب«عدسة الكاميرا»، نقرأ هذه الافتتاحية: «جاء لباب منزلي رجل دون يدين، يود بيعي صورة فتوغرافية التقطها لمنزلي»، وفي بعض الاستهلاليات يعتمد الكاتب على فكرة الانتظار، وعدم الكشف عن الموضوع إلا في نهاية القصة، وذلك لخلق حالة من التشويق مثلما ورد في النص الذي حمل عنوان «أستطيع رؤية الأشياء الصغيرة»، وكذلك في قصة «خيمة المناسبات»، كما يوظف الكاتب السخرية والمفارقات الكوميدية.

*تشيخوف الأمريكي

المجموعة تؤكد على علو كعب الكاتب، ومكانته في عالم السرد، فهو يعد أهم كتاب القصة في القرن العشرين، وقد استطاع أن يخلق لنفسه تراكماً وتجربة كبيرة من خلال اطّلاعه على التراث القصصي العالمي، حيث تأثر بكل من الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي، والروسي تشيخوف حد أنه لقب ب «تشيخوف الأمريكي»، تحولت بعض أعمال ريموند الأدبية إلى أعمال سينمائية، وترجم نتاجه إلى أكثر من 20 لغة حول العالم، وقد ولد كارفر في كلاتسكن، ولاية أوريغون، وهي مدينة صناعية على نهر كولومبيا، وترعرع في ياكيما، في واشنطن، وأصبح كارفر مهتماً بالكتابة في وقت باكر، والتحق بدورة كتابة إبداعية يدرسها الروائي جون جاردنر، حيث أصبح مرشداً لكارفر وكان له تأثير كبير في حياته ومهنته، وفي عام 1961، ظهرت قصة كارفر الأولى، «الفصول الغاضبة» وهي من أهم أعماله القصصية والإبداعية، حيث توالت بعدها مؤلفاته، إذ صدرت له 8 دواوين شعرية، و5 مجموعات قصصية، ومن أهم تلك المجموعات السردية «ضع نفسك مكاني»، «هلا هدأت من فضلك»، «الكاتدرائية»، و«من أين أتصل».

*اقتباسات

«أناضل وحيداً في هذه الحياة، هكذا كنت دوماً، وهكذا سأظل».

«من غادروك لن يعودوا إليك».

«ما بعد الفقد فقد، رحلوا في طرفة عين».

«ماذا وراء كل هذا؟ سألتها رغم أني أعرف كل شيء».

«ظننا أننا تركنا المصاعب وراءنا، وأن الحياة ستمضي دون منغصات».

«ثمة شيء مات في داخلي، آل كل شيء الآن إلى خراب».

«غشاوة ضبابية حجبت عني الرؤية».

«بعض الأحيان يواصلون المسير إلى ما لا نهاية، ويجدون أماكن صعبة يموتون فيها».

«الحب الحقيقي ليس سوى الحب الروحاني».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr38thth

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"