عادي

«الوظيفة السابعة للغة».. فانتازيا عن الفيلسوف رولان بارت

00:55 صباحا
قراءة 4 دقائق
رولان بارت

القاهرة: «الخليج»

ترسخ هذه الرواية مكانة الكاتب الفرنسي لوران بيني وريثاً واضحاً للكاتب الإيطالي الراحل أمبرتو إيكو، عبر كتابة روايات هزلية، ومحملة بالأفكار في الوقت نفسه، من دون أن يتوه عن غاية جعلها مسلية، هذه الرواية لفتت انتباه صحف كبرى عديدة، حيث تقول الجارديان على سبيل المثال: «قراءة لوران بيني تمنحك تلك المتعة النادرة بفقدان الإحساس بالواقع»، كما قالت الفايننشال تايمز إن الفكرة الأساسية عبقرية مدهشة فرولان بارت لم يمت جراء تعرضه لحادث سير عام 1980؛ بل تم اغتياله، وخيوط الحبكة منسوجة ببراعة، عبر عملية مزدوجة من تجسيد الخيالي وتخييل الحقيقي».

عنوان هذه الرواية الفرنسية هو «الوظيفة السابعة للغة.. من قتل رولان بارت؟» من تأليف لوران بيني وكما يقول المترجم د. محمد الجرطي: «رواية مختلفة ومتميزة، بكل المقاييس، مقارنة مع نمط الروايات السائدة، من حيث الشكل والتيمات، لأنها تقدم عرضاً مستفيضاً حول مختلف تيارات الفكر الغربي، فهي رواية فكرية تعرض بدقة مرحلة حاسمة في تاريخ النظريات النقدية الغربية: البنيوية، والسيميولوجيا، والنظرية الفرنسية، مع روادها جاك ديريدا، ميشيل فوكو، رولان بارت».

الرواية الحائزة جائزتين عند صدورها سنة 2015، تكشف طبيعة التغيرات التي انتابت علاقة الإبداع الروائي بالواقع الحضاري الذي تصدر عنه، وهي تعرض تأملاً فكرياً عميقاً في إشكالية الرواية وقضية اللغة، على اعتبار أن البطل الحقيقي فيها هو اللغة وما تمثله من سلطة مادية ورمزية.

ويوضح الجرطي، أن هذه الرواية التي تبدو أحيانا في شكل رواية بوليسية ذات حبكة محكمة، تعمل على تشويق المتلقي، فهي تسعى إلى فك لغز جريمة «قتل رولان بارت»، والسطو على مخطوط الوظيفة السابعة للغة، ومن جهة أخرى يبدو من الصعب تحديد بعد أحادي لهذه الرواية العصية على التصنيف، فتارة يحلو لمؤلفها لوران بيني أن ينتهك إطارها الفني بتضمينها خطابات فكرية وفلسفية، تضاعف خطابها السردي، الشيء الذي يكشف عن عملية تفاعل بين رؤية الكاتب واستراتيجيات الإبداع لديه، وتارة أخرى تنحو هذه التحفة الأدبية منحى الرواية السياسية بانخراطها في الصراع السياسي القائم بين اليمين واليسار في فرنسا.مخطوط سحري

لعل عنصر التشويق- كما يوضح الجرطي في مقدمته للترجمة- يتمثل في الحبكة الدرامية الرامية إلى فك اللغز: استرداد مخطوط الوظيفة السابعة للغة الذي سرق من رولان بارت، والذي بسببه قتل، ما جعل حادثة السير حادثة غير عرضية، وإنما اغتيال مدبر، فبعد أن استعرض لوران بيني وظائف اللغة الست، كما نظّر لها عالم اللسانيات رومان جاكوبسون في كتابه «أبحاث في اللسانيات العامة»: الوظيفة المرجعية، والوظيفة الانفعالية، والوظيفة الإفهامية، والوظيفة الانتباهية، والوظيفة الميتا- لغوية، والوظيفة الشعرية، توصل إلى وظيفة سابعة ذات أهمية بالغة الخطورة، وقد دونها في مخطوط سلمه سرا لعالم السيميولوجيا وأحد أعظم نقاد الأدب في القرن العشرين رولان بارت، ليكون الوصي على هذه الوظيفة، التي تتيح لمن يمتلكها ويتقن شفراتها السيطرة على شؤون العالم، كما يشرح ذلك السيميائي أمبرتو إيكو: «إن من ينجح في الحصول على هذه الوظيفة سيكون بمقدوره امتلاك الكون بأسره، وبسط نفوذه على كل قطاعات الحياة، كأن يتم انتخابه على الدوام، وأن يكون قادراً على استمالة الجماهير وتشجيعها على الثورة،، وأن يشيد إمبراطوريات عظيمة، وأن يحصل على ما يرغب فيه».

لذلك هرعت الاستخبارات الدولية، وكذلك الشخصيات النافذة في متن الرواية، إلى البحث قصد الاستيلاء على المخطوط السحري، فدخل الجميع في صراع شائك، ومن هنا انبرى الكاتب لوران بيني بلغة متحذلقة إلى أبعد الحدود- على حد وصف المترجم- إلى نسج حبكة روائية درامية، باستخدام استراتيجيات تخيلية سردية، تتشابك فيها الاستعارات، حيث تفنن في خلق أجواء يلفها الصراع والغموض والسجالات الفكرية والسياسية، التي تشد انتباه القارئ، وهو يتابع تعرجات رحلة البحث عن المخطوط الملغز.

  • تصفية حسابات

ومن بين النقاط العديدة التي تسلط عليها هذه الرواية الضوء، ثمة نقطة جوهرية تتجسد في الحقبة التي بزغ فيها نجم الناقد السيميولوجي رولان بارت والتي تميزت بمخاض فكري عسير، نجم عنه أفول الوجودية والماركسية على حد سواء، لتتبلور تيارات فكرية وأيديولوجية كالبنيوية والسيميولوجيا، واللسانيات، والتداولية، والنظرية الفرنسية، مع مجموعة من المفكرين والنقاد.

لقد تفنن لوران بيني في تصوير أفكارهم ونظرياتهم، في إطار من السخرية اللاذعة، ومواقف هزلية تكشف عن نية الكاتب في تصفية حسابات إيديولوجية مع هؤلاء المفكرين والنقاد: جاك دريدا، وجون سورل، وميشيل فوكو، وجوليا كريستيفا، وهنري برنار ليفي، لدرجة عمد فيها مؤلف الرواية إلى التشويه والغلو والتجريح، حتى بلغ الذروة في وضع النظرية الفرنسية موضع محاكمة ساخرة، في الندوة التي عقدت في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة الأمريكية.

يقول د. محمد الجرطي: «كل هذه القضايا والإشكاليات النقدية والإبداعية التي تعج بها الرواية، تدفعنا إلى القول إن الكاتب لوران بيني الذي تشبع بأفكار رولان بارت، ونهل من معين كتبه، حين كان طالبا في شعبة الآداب المعاصرة، بقي لصيقاً بالأحداث الفكرية والاجتماعية والسياسية المحيطة به، لأنها كانت العوامل الأكثر تحكماً في الإرث الثقافي لكل كاتب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58t9hc8n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"