الإمارات تحلّق شرقاً

00:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

السياسة الخارجية لدولة الإمارات تشبه إلى حد بعيد السياسة الداخلية، والتعامل مع 120 دولة في الخارج يشبه التعامل مع 120 جنسية وجالية في الداخل، وهذا الفن في التعامل يتطلب دراية وحنكة ومعارف شاملة ودقيقة، وأناقة في السلوك الرسمي والدبلوماسي.

كل ذلك يستند، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح الدولة العليا، وتزداد هذه المصالح تعقيداً مع وتيرة التغيير المتسارعة في السياسات والتحالفات السياسية والاقتصادية التي لا تغيب عنها التحالفات الاجتماعية والثقافية، والتي تشكّل في عمقها التحالف الأهم، لهذا، فإن الإمارات العربية المتحدة تتجه نحو الحكومات، كما تتجه نحو الشعوب، ويتعاظم دور الشعوب في عصرنا الراهن، أو عالمنا المعاصر، خاصة في ظل الانفجار المعلوماتي والثورات التقنية والتكنولوجية، وبشكل أخص في ظل تنامي أهمية الإعلام الموازي، وهو وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه الوسائل تستطيع تغيير الرأي العام ليصبح مسانداً أو مضاداً، مؤيداً ورافضاً، ونحن لا نتحدث عن الجيوش الإلكترونية الرسمية، وإنما عن الاتجاهات الشعبية في العالم الافتراضي، الذي لم يعد افتراضياً، بل أصبح حقيقياً ومجسداً في كثير من الأحيان، إذ يمكن تداول صورة واحدة لمجموعة أطفال كوريين يؤدون أغنية خليجية في استقبال رسمي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، يؤدي إلى نتائج إيجابية تبعث الفرح والسلام والطمأنينة لدى المتلقّين.

إن القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة تدرك تمام الإدراك هذا التوجه الشعبي والتقني، الرسمي والعام، وتبني عليه آمالاً وطموحات، وخططاً وبرامج وزيارات واستراتيجيات، كون هذا الإدراك لا يهمل التفاصيل الدقيقة في الحراك الإعلامي العام، الرسمي والموازي، الحقيقي، والافتراضي. وكانت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، الأخيرة لكوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية، استجابة لمصالح الإمارات العليا، إذ يكفي ما أحاط الزيارتين من زخم إعلامي، سياسي واجتماعي، حتى تكلّلتا بالنجاح.

ولن نكرّر ما تداولته وسائل الإعلام عن الاتفاقيات المهمة في المشاريع التنموية، في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا والاستثمار والسياحة والمناخ والثقافة، لأنها تحصيل حاصل للسياسة الخارجية، لدولة كدولة الإمارات العربية المتحدة، المنفتحة على الغرب والشرق، كما هي منفتحة على دول الشمال والجنوب، فالشراكة مع دولة الإمارات تتمناها كل الدول، صغيرة أو كبيرة. وفي الواقع، فإن زيارة صاحب السمو رئيس الدولة جاءت لتعزيز هذه الشراكة ودفعها إلى الأمام، لتحقيق التنمية والسلام الإقليمي والدولي، إذ من المعروف أن سموه قام بأكثر من زيارة للصين على مدى السنوات الماضية، لتعزيز الروابط الثنائية بين البلدين.

وفي ما يتعلّق بزيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى كوريا، يكفي أن نشير إلى كلمة سموه خلال الزيارة، إذ قال «إن دولة الإمارات وكوريا تجمعهما علاقات استراتيجية تستند إلى الثقة والاحترام المتبادل، والعمل من أجل السلام والازدهار في البلدين والعالم أجمع، كما أن لدينا شراكة ناجحة منذ عام 2009، تتمثل في أحد أهم المشاريع الاستراتيجية للتنمية في الإمارات، هو محطات براكة للطاقة النووية السلمية، وتُعَدّ كوريا أحد أهم الشركاء التجاريين للإمارات على المستويين الإقليمي والعالمي». وأشار سموه إلى أن النجاحات التي تحققت في مسار العلاقات الإماراتية الكورية خلال السنوات الماضية، تجعلها نموذجاً متميزاً للعلاقات الإيجابية بين الدول الصديقة.

ولو عدنا إلى زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى الصين الشعبية، وإلى الفرضية التي قدمناها من أن إدارة السياسة الخارجية مع 120 دولة تشبه إلى حد بعيد إدارة 120 جالية، تحتضنها الإمارات، فإن علينا أن نعلم أنه يقيم في الإمارات حوالي 400 ألف صيني حسب إحصاء العام 2022، وفي ما يتعلق بالموضوع الاجتماعي السياحي، زار الإمارات في العام 2018 أكثر من مليون صيني، ووصل العدد إلى مليوني صيني في العام 2023، بينما بلغ عدد الرخص الصينية في دولة الإمارات أكثر من 14500. وفي السياق ذاته، هناك حوالي 15 ألف كوري يقيمون ويعملون في الإمارات، من بينهم 1600 كوري جنوبي يدرسون في جامعات ومعاهد الدولة، بينما بلغ عدد الشركات الكورية في الإمارات حوالي 200 شركة.

العلاقات الإماراتية الكورية الصينية تجاوزت المفهوم التجاري نحو التفاعل الثقافي والتعليمي، إذ هناك عشرات المدارس، وبعض المصادر تؤكد أن 142 مدرسة تدرّس اللغة الصينية في الإمارات، وهناك عشرات الطلاب من الإمارات يدرسون في كوريا والصين، طبعاً باللغتين الكورية والصينية، ما يؤكد أن العلاقات تحفر عميقاً في التكامل والتعامل المتبادل والاحترام للثقافات وتنوعها. ومما لا شك فيه أن كل دولة تسعى إلى تأهيل كوادر تتعاطى مع المجتمع الآخر بلغته وثقافته. وقد حرص صاحب السمو رئيس دولة الإمارات على لقاءات مع الطلبة الإماراتيين في كوريا والصين، وحثّهم ليكونوا خير سفراء لبلادهم، وأن ينهلوا من العلم ما استطاعوا ليخدموا بلادهم ومجتمعهم.

هكذا تقدّم السياسة الخارجية نماذج متطورة ومبتكرة للعلاقات بين الدول، بترسيخ العلاقات بين الشعوب، والتفاعل بين الثقافات، لتنتج تفاهماً يتأصّل ويدوم، إذ يبدو أن معظم الدول تبحث عن موارد غير تقليدية لمستقبلها، والجميع يطمحون إلى مجتمع المعرفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5hfnpm9m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"