المرأة حينما تروي

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

كانت المرأة في الإمارات شقيقة النخلة، وتتماثل مع شجرة الرطب الشهيّ بمعاني الخصب والعطاء والخير الذي يجدّد الحياة، وكانت «مطوّعة» تعلم القرآن والقراءة والكتابة، وبعض من بحّاثة الثقافة الشعبية يذكر أنها كانت تشارك زوجها في الغوص على اللؤلؤ، وهي «قاصّة» بارعة للأثر، وتعرف علامات المطر، والجميل في كل ذلك أنها كانت تروي الحكايات، راوية وحكّاءة. ويا للمقاربة هنا في معنيي «الروي» و«الحكي»؛ فالراوية ليست تلك المرأة التي تحكي القصص فقط، بل هي أيضاً من تجمع الماء، وتروي عطش الناس والأشجار، وقد يتماثل ريّ الماء بهذا المعنى، مع معنى الارتواء الثقافي الذي يشعر به الإنسان بعد سماعه حكاية ترويها امرأة.

في الجزء الثاني من كتيّب صغير جميل صدر عن معهد الشارقة للتراث (2019) تحت عنوان «رواة في الذاكرة» تتبعت خيط النساء الراويات: إنه أحد خيوط المكان الإماراتي أو الذاكرة الإماراتية التي تحتفظ بها وتحفظها كوكبة أمومية رائعة من نساء زمن ثقافي يمنح المرء المعنى الحقيقي لمفهوم التراث والمكان والثقافة التراثية الشعبية حين كانت بالفطرة، الفطرة التي تعني حقيقة الثقافة قبل أن تحيط بها سطوة المصطلحات ونظريات الحداثة، بل لعلّ جذور الحداثة الأدبية تكمن بالضبط هنا في النص الذي ترويه المرأة.

وهنا خيط الحرير: حليمة عبدالله عبيد علاي النقبي، عائشة خميس عبدالله بورشيد، شيخة علي عبدالله النقبي، فاطمة محمد علي الشايب، سندية مبارك النقبي، آمنة علي عبدالله الصريدي، شيخة علي راشد البديوي النقبي، عائشة محمد أحمد بوجاس الحمادي، وغيرهن.

هل كانت الراوية تحكي الحكايات فقط، وتكتفي بالسرد الذي لا تعلم أنه «سرد» شفوي يمكن أن يتحوّل إلى سرد روائي مكتوب؟ لا، كانت المرأة تروي وحسب من دون مصطلح، ولكنها أيضاً كانت في عين الحياة، كانت حطّابة تجمع الحطب من السيوح، وكانت تحنّي العروس، وتجلب الماء من الطويان (جمع طوي، البئر)، وتداوي المريض بالأعشاب، وتجبّر العظام، وكانت تعرف التطريز والخياطة وصناعة «التلّي»، وتعرف الوسم والحجامة، وترعى الماشية، وتعجن، وتخبز، وتحفظ القرآن كلّه.

كاتبات روائيات من دون أقلام ولا كمبيوتر، وفنّانات فطريات بالخيط والإبرة والقماشة من دون حاجة إلى قماش وألوان الرسّام المحترف، وكانت المرأة طبيبة من دون عيادة، وتنجب ذكوراً وإناثاً أصبحوا مهندسين، ومديرين، وأطباء، وطيّارين،.. وبقيت نخلة عالية، وحين تريد الذهاب إلى السوق تضع برقعها على وجهها وتقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23yv6p39

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"