بأيّة حال عدتَ ياعيدُ؟

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

في ظرفٍ كالذي نحن فيه، حيث معاناة أشقائنا الفاجعة في غزّة والضفة الغربية، وفي بلدان عربية أخرى أيضاً، تحضر قصيدة المتنبي الشهيرة التي كتبها عن العيد، أكثر من تلك الأشعار والأقوال المليئة بالبهجة والفرح بقدومه، ويقال إن مفردة العيد اشتقت من الفعل يعود، كون العيد يعود كل سنة، وربما من هنا جاء قول التمني أو الدعاء الذي نكرره لأحبتنا في الأعياد: «عساكم من العائدين»، أو (العايدين) حين ننطقها بلهجاتنا العامية.

يقول مطلع قصيدة المتنبي: «عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ/ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ». وفي هذا البيت يخاطب الشاعر العيد، سائلاً إياه عن الحال التي أتى بها، أتكون هي نفسها الماضية المليئة، بالنسبة له، بالأحزان، أم أنها تحمل جديداً؟

وفيما يشبه الجواب عن السؤال الذي به استهلّ المتنبي قصيدته، يقول في البيت الثاني: «أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ/ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ»، مبدياً أسفه على بُعد أحبته عنه، متمنياً لو كان هذا العيد بعيداً عنه، كبُعد أحبته، كأنه يقول للعيد: «لم تأتِ في وقتك للأسف»، لأنه يتعذر عليه الفرح به وهو في حال الحزن الذي يعانيه.

لقصيدة المتنبي التي جاء في مطلعها البيتان أعلاه، حكاية أوردها علي الجارم في كتابه «أبو الطيب المتنبي.. الشاعر الطموح»، وفيها يتحدث عن كيف ضاقت بالمتنبي الدوائر، وكثرت الدسائس من حوله توقع بينه وبين كافور. فحنّ أبو الطيب إلى سيف الدولة، وندم على اللحظة التي حملته على مغادرة إمارة حلب، وشعر كما لو أن معين الشعر عنده قد نضب، وحين سألته عائشة شقيقة ابن رشيدين المأخوذة بشعره: «أتمرّ سنةٌ ولا نسمع منك جديداً»؟، أجابها: «إن البلابل لا تغني وسط حفيف السهام».

عقد المتنبي العزم على الفرار من مصر، خوفاً من مكائد المحيطين بكافور، واختار ليلة عيد الأضحى موعداً لتنفيذ ما عزم عليه، فتسلل إلى الصحراء مستغلاً فرصة انشغال حاشية كافور بالعيد. وحين انتهى العيد لحظ القوم أن المتنبي لم يظهر فيه، فحسبوا أنه مريض، وأرسلوا بعض الأعوان للسؤال عنه في داره، فرأوا بابها مغلقاً، ففتحوه ودخلوا، وحين لم يجدوا أحداً أخذتهم الدهشة، وهم يبحثون في كل حجرة، حتى بلغوا حجرة نوم المتنبي، فرأوا سريره وفوقه شيء قد التف بغطاء، فصاح أحدهم فرحاً: هنا الشاعر، فأقبل الجند نحوه ورفعوا الغطاء. لم يكن المتنبي هناك.. كانت هناك قصيدة! إنها القصيدة نفسها، التي حفظنا عن ظهر قلب مطلعها، لكننا أصبحنا نعيده لا لنتذكر حكاية المتنبي مع كافور، وإنما لنقرأ فيها ما حولنا من مآسٍ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yj799tmw

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"