الماس.. نموذج يحتذى لتبنّي التكنولوجيا (2-2)

21:53 مساء
قراءة 5 دقائق

أحمد بن سليم*

أوضح توماس موزس، نائب الرئيس التنفيذي وكبير مسؤولي المختبرات والأبحاث في المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة (GIA)، أنه في حين أن صناعة الماس اشتهرت بعناصرها الأربعة، فإن المستهلكين لا يزالون يعطون قيمة أكبر للعناصر الثلاثة المتمثلة في العدالة، والأخلاق، والبيئة. ومع دعم الأبحاث حول المستهلكين لهذا الاستنتاج، حيث تشير إلى أن ما بين 40 إلى 45 في المئة من المستهلكين يولون الأهمية لإمكانية التتبع والاستدامة في قراراتهم المتعلقة بالشراء، يبدو أن توفير البيانات الشاملة يمثل فرصة لكلا طرفي سلسلة التوريد.

ويتقاطع مع هذه الحقيقة ارتفاع نسبة الماس الصناعي في مشتريات المستهلكين، حيث تشير البيانات، إلى أن 43.8% من خواتم الخطوبة في الولايات المتحدة في السنة المالية الماضية كانت من الماس الصناعي، ولكن من حيث المنشأ وإمكانية التتبع، هناك الآن فرصة للماس الطبيعي لاستعادة السوق الملتزمة بمعايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة.

وفي هذا الصدد، يقول فينيت جوغاني، مدير مجموعة Lemon-Diatech: «للأسف، نحن نعيش في وقت تتعرض فيه العلامة التجارية للماس الطبيعي للنيران. إذا نظرت إلى الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في وسائل الإعلام التقليدية، فستجد أن الماس الطبيعي يرتبط باستمرار بعمالة الأطفال، والعبودية، والتدهور البيئي، والصراعات، وأعتقد أن إمكانية التتبع تعني في الواقع استعادة السيطرة على هذه السردية، وتصحيحها، وإظهار الخير الذي يمكن أن يجلبه الماس. إنهم يوظفون ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر، وأكثر بكثير بشكل غير مباشر، وهنا بالضبط يمكنك التمييز بين الاثنين. هل يوفر الماس الصناعي التعليم والمستشفيات؟ اليوم، يمكننا أن نثبت أنه يمكنك شراء الماسة، ونقول إنك من خلال شرائك لهذه الماسة وفرت التعليم لمدة عام كامل لمئة طالب في دولة منتجة. هذه هي قوة التتبع، وهذا ما يمكننا تقديمه للعملاء».

وإلى جانب النطاق الهائل لتقديم فوائد بيئية، واجتماعية، ومؤسسية، يمكن التحقق منها، فإن إمكانية التتبع قد تعالج أيضاً إحدى نقاط الألم الأخرى سيّئة السمعة بالنسبة إلى العملاء، ألا وهي سوق السلع المستعملة. وبالنسبة إلى أولئك الذين يضطرون، أو يرغبون في بيع الماس، فإن العثور على مشترٍ، أو الحصول حتى على عائد معقول هو أمر شبه مستحيل. ومع ذلك، مع إمكانية التتبع، لم تعد تبيع ألماسة عشوائية، بل إنك تبيع القصة المصاحبة لها. وفي هذا الصدد، يعتقد الكثير أن إمكانية التتبع يمكن أن تدعم توفير سوق أكثر مرونة للسلع المستعملة، خاصة بالنسبة إلى الماس ذي الماضي الأكثر إشراقاً.

أثناء حديثي مع إحدى جهات الاتصال الوثيقة في صناعة الماس، تم تذكيري بأن الرغبة في الماس، وأي منتج آخر عالي القيمة تبدأ بقصة. إن فكرة أن الحجر يستغرق تكوّنه ما بين مليار إلى أكثر من ثلاثة مليارات سنة، قبل استخراجه وتحويله إلى عمل فني، ليست فكرة رومانسية فحسب، بل إنها رحلة فريدة لا بديل لها. وكما قال شخص آخر بسخرية: «نحن لسنا في مجال الأعمال «من الشركات للعملاء»، بل في مجال الأعمال «من المنجم للسيدات». وهو ما يتم تقديمه إلى الخطيبة، أو الزوجة، أو الحبيبة. إنها قصة الرحلة، وكيف أصبحت ملكاً لهن. وهذا شيء لا يمكن للماس الصناعي منافسته».

وكما أكد فينيت جوغاني «إذا نظرت اليوم إلى الماس في زمن الحرب، الماس الذي شهد شيئاً ما، فإن هناك قصة. ربما مرت عبر خمسة أجيال. تخيّل مستقبلاً حيث تخرج ماستان من الخام نفسه، حيث يمكنك العثور على توأمك الماسي على مستوى العالم. أعتقد أن هناك قصة لذلك. أعتقد أن هناك سحراً لذلك. بالنسبة إلى المستهلكين، فإنهم لا يريدون أن تنخفض قيمة الماس، وهذا أحد الحلول التي يمكنها معالجة هذا الأمر».

من وجهة نظر تكنولوجية، هناك نتيجتان حاسمتان تشكلان شرطاً للتنفيذ في مرحلة مبكرة، بدءاً من المصدر. وكما أوضح كليمنس لينك، مدير Provenance Proof «إن وضع علامات النانو، والدمغ بالنانو، والتشفير بالليزر، والمسح النانوي، أياً كان، يعد أمراً بالغ الأهمية لضمان الشفافية لأنه بمثابة المرساة الحقيقية بين أي شهادة رقمية، أو ورقية، والأصول المادية. هذا هو الجزء الحاسم الذي يتعين علينا تحسينه في رأيي. وفي حين أن طرح هذا المستوى من التكنولوجيا قد يبدو تحدياً هائلاً، ذكّر العديد من المشاركين بأن هناك عشرة مناجم رئيسية فقط تنتج 85% من الماس على مستوى العالم، ما يعني أنه يمكن تحقيق بداية رائعة بشرط أن تكون المناجم مستعدة وقادرة على التعاون».

وتتمثل النقطة الثانية في أن التقدم التكنولوجي قادر أيضاً على المساعدة بشأن الهوامش الدقيقة بين الماس الخام والمصقول، مع تزويد العملاء بخيارات أكبر في ما يتعلق بالشكل، حسبما أوضح برنولد ريشرزهاجن، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Synova S.A «إن آلة دافنشي الخاصة يمكنها معالجة الحجر في يوم واحد، مقارنة بأسابيع يستغرقها الصقل اليدوي. وهذا يعني دورة تمويل أقصر ومخزوناً أقل. وعندما نحسب الكلفة الإجمالية للملكية، فهي أقل كلفة من الصقل اليدوي التقليدي. الجودة والدقة متسقة واستخدام الآلة غاية في السهولة. ويستغرق تعلم صقل الحجر يدوياً عدة سنوات، أما باستخدام الآلة، فيمكن التعلم في أسبوع واحد، ويمكن لمشغّل واحد إدارة ما يصل إلى خمس آلات. وهذا يتيح إمكانية التتبع الكامل، لأن كل شيء أصبح الآن مركّزاً في مكان واحد، في خطوة واحدة مع الكثير من المرونة، ما يعني إمكانية إنتاج أشكال نموذجية فاخرة، إضافة إلى أشكال مخصصة».

وبصفتي رئيساً لعملية «كيمبرلي» في عام الإنجازات، سأكون أول من يقر بوجود عمل يتعين القيام به، ومع ذلك، أود أيضاً أن أشير إلى أنه تم تحقيق إنجازات أكثر بكثير مما يُنسب إلى صناعة الماس. في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تجدر الإشارة إلى أن مكتب عملية كيمبرلي في الدولة هو الوحيد في الدول المشاركة في عملية كيمبرلي الذي حصل على اعتماد الأيزو، وقد قام أخيراً، بتجديد شهادة الآيزو 2015-9001 في عام 2024 للمرة الثانية. وكما أوضحت نازيا حقي، مدير أول مكتب عملية كيمبرلي في الإمارات تم إنشاء مكتب عملية كيمبرلي في الإمارات بموجب القانون الاتحادي رقم (13) لسنة 2004 في شأن الرقابة على استيراد وتصدير وعبور الماس، ما جعل دولة الإمارات أول دولة عربية تنضم إلى نظام شهادات عملية كيمبرلي. وفي الوقت الحاضر، تعد الدولة أحد أكبر تجار الماس الخام في العالم، ومن المؤكد أن حصولها على شهادة الآيزو ساعد على تحسين كفاءة الأعمال والاستدامة وتميز العملاء وإشراك الموظفين.

وفي ما يتعلق بالصناعة العالمية، فإنني أردد آراء هانز شواب، المؤسس المشارك لشركة OriginAII، الذي قال: «لقد تحدثت قليلاً عن فخري بالمكانة التي وصلنا إليها، وسأعود إلى عملية كيمبرلي. لا أستطيع أن أفكر في أي صناعة لديها شيء بقوة عملية كيمبرلي، حيث تتحد الأطراف المعنية بالصناعة؛ البلدان والمنظمات - جلست لحل المشكلة الأساسية المتمثلة في تحديد مصدر الماس. وكجزء من هذه الرحلة، شهدنا قدراً كبيراً من التعاون الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن. نحن بحاجة إلى استخدام ذلك كأساس، الركيزة التي نبني عليها كل هذه التقنيات. أعتقد أننا يمكن أن نستمد الشجاعة والثقة والتصميم من ذلك».

وبفضل الدعم المتزايد الذي تقدمه تكنولوجيا الصناعة، وعلى الأخص من خلال الشركات التي انضمت إلينا الشهر الماضي، فإن قدرة صناعة الماس الواضحة على التعاون والتنسيق ستظل أعظم أصولها. وعلى هذا النحو، أعتقد أن الماس الطبيعي لن يحتفظ بمكانته الفريدة كسلعة مطلوبة فحسب، بل سيصبح نموذجاً يحتذى في الصناعة بالنسبة لحقوق الأطراف المعنية والمستهلكين.

* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7aydup

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"