صناعة الماس والطاقة الكامنة في الحوار والتعاون

22:12 مساء
قراءة 5 دقائق

أحمد بن سليم*

استضاف مركز دبي للسلع في مقره الرئيسي - برج أبتاون الشهر الماضي اجتماعاً ما بين دورتي عملية كيمبرلي، حيث التقت مجموعة كبيرة من المؤثرين والمهتمين في صناعة الماس في العالم لتعزيز عزمهم على وقف تدفق الماس الممول لصراعات. يتألف هذا الحدث عادةً من جلسة بينية تليها جلسة عامة في وقت لاحق من ذات العام، إلا أن الحدث في هذا العام لم يقتصر على بحث العديد من الأولويات فحسب، بل كان يهدف أيضاً إلى تحقيق نتائج ملموسة بفضل العدد الكبير من الاجتماعات الثنائية والزيارات إلى البلدان الأعضاء في عملية كيمبرلي التي تمت خلال النصف الأول من العام الجاري، والتي نتج عنها وضع الأساس لضمان إجراء نقاش إيجابي، وإحراز المزيد من التقدم.

تميز هذا العام «عام الإنجازات» أيضاً بعقد جلسة عامة استثنائية وهي الأولى من نوعها في عملية كيمبرلي، التي شكّلت وسيلة فعالة للغاية لتسريع عمليات صنع واتخاذ القرار لدينا كعملية كيمبرلي. وقد تضمّن اجتماع ما بين الدورتين لهذا العام أيضاً أول جلسة نقاش للأدلة على الإطلاق، حيث قدم ممثلو المجتمع مداخلات مباشرة حول التأثير المباشر لاستخراج الماس، بالإضافة إلى جلسة للجنة من الخبراء لمناقشة وتوسيع تعريف ما يشكل ماساً ممولاً للصراعات. وتضمن الحدث هذا العام أيضاً ندوة لمركز دبي للسلع المتعددة بعنوان العناية وإمكانية التتبع والتكنولوجيا، التي تم تنظيمها لتسليط الضوء على الفرص الواسعة المتاحة في مجال التكنولوجيا لدعم أهداف عملية كيمبرلي على المدى الطويل، بما في ذلك أحد أهدافنا الأكثر إلحاحاً، وهو التحول الرقمي لشهادات عملية كيمبرلي باستخدام تقنية البلوك تشين.

ومع استكمالها بممثلي المجتمع المدني ومجموعات العمل ووفود من الدول المشاركة، غالباً ما يشار إلى عملية كيمبرلي باسم عائلة عملية كيمبرلي، وذلك لسبب وجيه، حيث لم يكن هناك الكثير من الوجوه المألوفة لدي منذ رئاستي الأولى لعملية كيمبرلي في عام 2016 فحسب، بل تعززت العلاقات لصداقات مبنية على الثقة، بما يعكس الهدف المشترك لرفع معايير الصناعة، وجهودنا المستدامة لتعزيز مكانة دبي باعتبارها المركز العالمي للماس الخام. وأذكر من قيادات الصناعة العديدين الذين أسعدني العمل معهم بوبون تانج الذي تولى مهام أول أمين دائم لعملية كيمبرلي، حيث هنأته بالتقدم الكبير الذي أحرزه في إنشاء مكاتب الأمانة الدائمة في جابورون.

وكان من بين المحادثات والاجتماعات المختلفة التي عقدت على مدار الأسبوع بعض الجلسات المثمرة والغنية بالمعلومات حول تعريف الماس الممول للصراع. وكموضوع تم طرحه في ضوء التقلبات المستمرة والصراعات المختلفة في العالم، ساهمت المعلومات التي قدمتها اللجنة المجتمعية في إضافة المزيد من العمق للنقاش، مع الإشارة إلى التحديات والفرص.

وكان من بين التطورات الرئيسية الأخرى التوافق الذي تم التوصل إليه بشأن خيار الحصول على رئاسة مشتركة لعملية كيمبرلي خلال عام واحد، وهي فكرة اقترحها المجلس العالمي للماس، تحت قيادة رئيسته فريال زروقي. وفي تعليق لها خلال كلمتها في اجتماع ما بين الدورتين، أكدت زروقي على إيمان المجلس ب «تعزيز التمثيل الشامل والوصول العادل إلى الفرص لجميع المشاركين في عملية كيمبرلي لقيادة عملية كيمبرلي»، وهو ما «أصبح الآن ممكناً».

وباعتباره موضوعاً طال انتظاره، فإن الحضور الرفيع المستوى لمندوبي جمهورية إفريقيا الوسطى كان بمثابة دلالة واضحة على المسار الذي اتخذه الحدث، وانفتاحه على مناقشة التحديات بطريقة واضحة وشفافة. منذ الحظر الأولي الذي فرضته في عام 2013، عملت عملية كيمبرلي مع جمهورية إفريقيا الوسطى للاستفادة من إطارها التشغيلي لوضع خارطة طريق، بهدف نهائي يتمثل في عودة جمهورية إفريقيا الوسطى إلى عملية كيمبرلي. على هذا الأساس، أثناء العمل مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى لمواجهة التحديات الحالية في البلاد، نتوقع أن يقوم الفريق العامل المعني بالرصد بتنظيم بعثة مراجعة في المستقبل القريب، لتحديد كيفية استخدام الماس لدعم صناعة الماس في جمهورية إفريقيا الوسطى وشعبها.

كما ذكرت في مقالتي السابقة، فإن نجاح تعاوننا مع دول مثل سيراليون يحتاج إلى مناقشة على نطاق أوسع كأمثلة على نجاح عملية كيمبرلي في تحقيق تأثير ملموس على مستوى الاقتصاد الكلي. باعتبارها ثامن أكبر منتج في العالم، زادت سيراليون معدل النمو السنوي المركب لإنتاجها بنسبة 31% في خمس سنوات، ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 2% أخرى بين عامي 2022 و2026. وكونها عضواً في نظام عملية كيمبرلي لإصدار الشهادات، ومن خلال الضوابط الداخلية الجادة والتكنولوجيا، من المعروف أن سيراليون تمتلك واحدة من أقوى سلاسل الإشراف في العالم على الماس الخاص بها. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال العمل مع الدول المجاورة لها، تمكنت سيراليون بشكل فعال من الحد من عمليات التهريب، ما يعني أن الحكومة تحصل على حصة أكثر إنصافاً من الثروة التي تنتجها مواردها الطبيعية.

كما شكّل اجتماع ما بين الدورتين أيضاً فرصة بالنسبة لي لتسليط الضوء على غياب النقاش المحيط بتجارة الأسلحة غير المشروعة في العالم، وإمكانية تعاون عملية كيمبرلي مع المنظمات غير الحكومية المتخصصة والهيئات التنظيمية ومصنّعي الأسلحة لإنشاء نظام للمساءلة لا يقتصر فقط على الفهم الاستباقي لحجم المشكلة، بل أيضاً تقديم حلول لها. وبينما أقدّر أن ذلك سيحتاج إلى موارد هائلة، فضلاً عن مستوى موحد من التعاون بين الأطراف المعنية، فإن تجاهل حقيقة أن الأسلحة الخفيفة هي العصا التي يضرب بها المثل في تجارة الماس الممول للصراعات لن يساعدنا على معالجة وحل المشكلة بالكامل. وبعد مناقشة هذا الأمر بشكل مطول مع العديد من الحاضرين، فإنني أعتزم معالجة هذا الامر، الذي يتجاوز مجرد وقف الماس الممول للصراعات وتخفيف حدة مناخ الخوف، خاصة بالنسبة لمجتمعات التعدين.

وتماشياً مع التزام عملية كيمبرلي بالابتكار، فضلاً عن المتطلبات الحيوية لدمج التكنولوجيا في صناعة الماس، فقد حظيت الندوة الخاصة التي نظمها مركز دبي للسلع المتعددة، والتي ركزت على العناية وإمكانية التتبع والتكنولوجيا، بمشاركة لافتة كما لاقت الاستحسان. وشارك في هذا الحدث المفتوح العديد من مقدمي التكنولوجيا الرياديين في العالم، بما في ذلك Sarine Technologies، والمعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة (GIA)، وiTraceiT، و(DeBeers)، وOpsydia، وDiaTech وغيرها، ودعا المشاركون إلى فهم أفضل لكيفية دعم التحول الرقمي في الصناعة في مواجهة العديد من التحديات السائدة، مع تعزيز الكفاءة والشفافية.

وباعتبار عملية كيمبرلي منظمة تشرف عليها الأمم المتحدة، فإن نجاح طموحاتنا المشتركة يعتمد دائماً على التعاون، ليس فقط من جانب الدول الأعضاء الخمس والثمانين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً من داخل ترتيبنا الثلاثي. ومن هذا المنطلق، أود أن أتقدم بشكر خاص لائتلاف المجتمع المدني وجميع المراقبين على المساهمة القيمة التي قدموها، بالإضافة إلى جهودهم الأخيرة ومساهماتهم الإيجابية في إجراء مناقشات هادفة تؤدي إلى نتائج ملموسة. ومن خلال هذا النوع من الحوار والتعاون سوف تتمكن عملية كيمبرلي من تحقيق مهمتها غير الرسمية الطويلة الأجل المتمثلة في جعل صناعة الماس نموذجاً يحتذى ينبغي للسلع الأخرى أن تطمح إلى أن تصل إليه.

في ختام اجتماع ما بين الدورتين لهذا العام، يغمرني الأمل في أنه من خلال الجمع بين التكنولوجيا واستعدادنا الجماعي لإحداث تغيير ذي مغزى، لدينا القدرة على تحقيق نتائج إيجابية من شأنها أن تعود بالنفع على البلدان المنتجة والمستهلكين والأطراف المعنية في الصناعة الذين يقدر عددهم بعشرة ملايين يعتمدون على الماس كمصدر أساسي للرزق.

* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9r5xdt

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"