عادي
في شاعرية البصر

الخط.. مدار حكمة الروح

22:46 مساء
قراءة 3 دقائق
فاطمة الظنحاني

الشارقة: جاكاتي الشيخ

تشتهر الخطاطة الإماراتية الشابة، فاطمة الظنحاني، بكونها فنانة استطاعت أن تبدع في الخط العربي، رغم أن تخصصها الدراسي كان أدبياً، إلا أن تلك الدراسة كان لها أثر خاص في شغفها بالتراث العربي، وعلى رأسه الخط، فاتجهت إلى دراسته، واستلهمت من تجارب كبار الخطاطين الإماراتيين، وغيرهم من عباقرة هذا المجال، حتى تمكنت من حصد عدة جوائز وتكريمات، كانت بمثابة اعتراف بتميز أعمالها.

كان للدراسة المعمقة والتدرّب الدؤوب، الدور الكبير في تفتق موهبة فاطمة الظنحاني، إذ ساعدها ذلك على التشبع بالقيم الجمالية للخط، كما كان لدراستها الأدبية أثر كبير في قدرتها على المزج بين عمق المضامين النصية، وروعة اللمسات الجمالية في لوحاتها، ما يتجلى في لوحتها هذه، بنص الحكمة: «كل من اكتفى اختفى» التي كتبتها بخط الثلث.

  • اقتناص

ولأن خط الثلث يُدعى أم الخطوط؛ لكونه من أهمها، ويشكل الاختبار الحقيقي لميلاد الخطاطين المتميزين، ولأن فاطمة الظنحاني من البارعين في استخدامه، فقد اختارت أن تكتب به هذه اللوحة، إضافة إلى أن سلاسته وتناسقه، ووضوح كلماته، وجماليته التي تشدّ المشاهد؛ كلها خصائص تُغري الفنانين بخوض مغامرة الخوض في تجربته، لما يضفي على قدراتهم الفنية من شرعية إبداعية لا يخامر الشك فيها المطلعين على أعمالهم.

إن نص الحكمة: «كل من اكتفى اختفى»، هو أحد النصوص التي تستحق الكتابة بماء الذهب، لما لها من صدق، فهي تدعو إلى الزهد في الحياة من خلال عدم حب الظهور، فالأشخاص الذين لا يولون الظهورَ اهتماما هُم أكثر الناس رِضى، لأنهم اكتفوا فاختفوا، وإذا كان الشافعي قد قال يوما: «غَنِيّّ بلا مال عن الناس كلهم / وليس الغِنى إلّا عن الشيءِ لا بِه»، فهذه الحكمة تدخل في ذلك النوع من الغنى، أي الغنى عن الأشياء لا بها، فالاكتفاء غنى، والاختفاء سبب للسلامة من الناس والأخذ منهم بمقادير الضرورة فحسب، ولذلك فأكثر الناس نضجاً هم أولئك الذين لا يرون حاجة لفرض أنفسهم على الناس حبًّا في الشهرة، وهذا ما جعل الفنانة تقتنص هذه الحكمة، من أجل تخليدها في هذه اللوحة الخطية الأنيقة.

  • اكتفاء فني

من خلال شكل اللوحة المبسط أرادت الخطاطة الظنحاني أن تقدم المضمون العميق لهذه اللوحة من خلال طريقة خط نصّها، وهو ما يساعد عليه خط الثلث الذي كتبتها به، حيث كتبت كلمة «كل» في بداية قاعدة الشكل الخطي، وأطالت ألف اللام ليشكل امتداداً عالياً مع ألف «اختفى»، وكتبت «من» مكملة لقاعدة الشكل؛ بادئة خطها من حضن لام «كل» لتؤكد على كلّ من خَصَّصَت الحكمة الإشارة إليه، أي «كل من اكتفى..»، ثم كتبت «اكتفى» في المستوى المتوسط من الشكل، حيث عملت على إطالة ألفها حتى نهاية الحَد العلوي للوحة، كأنها تريد من المشاهد مَدّ الكلمة أثناء قراءتها للتأكيد على لأهميتها في النص، إذ إنه نص يدعو إلى الاكتفاء، وهو ما كررته مع كلمة «اختفى»؛ التي كتبتها في أعلى الشكل الخطي، ورفعت ألفها أيضاً حتى نهاية الحَد العلوي للوحة، مستعينة بلام «كل»، لتوحي بالمعنى المراد من مضمون هذه الحكمة، من خلال اختفاء نهاية الألفين خلف الحد العلوي للوحة، فالاختفاء المتعمد اكتفاء، ولكن ذلك الاختفاء يتجلّى في هذه اللوحة كقيمة جمالية متحققة بالمساحات المتروكة، حول تلك الاستطالات والجزء البسيط المخصص لكتابة النص في اللوحة، فهو اختفاءُ اكتفاءٍ فني.

أرادت الخطاطة فاطمة الظنحاني إيصال رسالتها الفنية في هذه اللوحة ببساطة خطية ولونية، لتؤكد أن هدفها من وراء إبداع أعمالها لا يقتصر على تقديم الخط والتفنن فيه، بقدر ما تريد من خلاله بث مضامين إيجابية، تلهم المشاهدين المطلعين على لوحاتها، وهو ما نجحت فيه، حيث أبرزت القدرات الجمالية لفن الخط العربي، وقدمت مضمونا مشحونا بدلالات القيم الإنسانية الراقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36wszwtt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"