كي يكتمل المعنى

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

الكلمة باتساع الفضاء، كيف تحصرها وتضع حدوداً لها وهي قادرة على التحليق في كل الاتجاهات وتلبس كل الأثواب وتكبر وتصغر فتأخذ كل الأحجام وتنطق بكل اللغات وتنتمي إلى كل البلدان؟ «الثقافة» كلمة كلما حصرتها بمعنى أغرتك لتفتح لها الأبواب وتغوص في عمق المعاني لتعرف عنها أكثر، وتفهم أنها أكبر من الكلمات والعبارات الضيقة التي قد نصفها بها، وأكثر اتساعاً من أي إطار نرسمه لها.

اليوم يصادف الخامس والعشرين من يوليو، الذي حددته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» للاحتفاء فيه ب «اليوم العربي للثقافة»، ويقولون إن الهدف منه «التكاتف للنهوض بالمجتمعات العربية وثقافتها، التي تمثل الهوية الأساسية لأي شعب». لا شك أن الشعوب تحتاج إلى من يخلق المناسبات لكي يذكرها بأهمية الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي والحضاري واللغة.. وهي بحاجة أيضاً إلى من يحقق لها ومعها الوحدة والانفتاح على الآخر، مع الفهم الدقيق والحقيقي لمعنى «ثقافة».

هناك من يربط الثقافة بالقراءة وما تحققه للإنسان من غنى في الأفكار والقدرة على توسيع المدارك والفهم والتعمق في اللغات والمعاني.. والبعض يربط الثقافة بكثرة الأسفار والاطلاع على ثقافات الشعوب وعاداتها وتقاليدها وفنونها.. والبعض الثالث يربطها بتعدد اللغات وقدرة المرء على التواصل مع أكبر عدد من الأشخاص من جنسيات مختلفة واستمرار التواصل معهم وتقبّل الاختلاف الديني والعرقي.. أما الثقافة فهي كل هذه الأشياء وأكثر، هي بحر لا تجف مياهه ولا ترى أعماقه، تغوص فيه طويلاً وتبقى كمن يسبح على شاطئه، لذلك نسأل اليوم في زمن الانفتاح التلقائي على العالم بفعل التطور التكنولوجي والإنترنت والتواصل الاجتماعي، وسهولة تعلم اللغات «أون لاين» وتوفر الترجمة.. هل هذا كله يعني أن أبناء هذا الزمن المنفتح مثقفون جميعاً؟ وهل يعني أن الأطفال اليوم يكبرون مثقفين لأنهم يتعلمون كيفية التعامل مع الإلكترونيات قبل تعلم الكلام؟

لا، لا يمكن أن ننزل بالثقافة إلى مستوى الانفتاح والتواصل الافتراضي ونزع تاج القيَم عنها، فمازال للتربية والأخلاق واللياقة واللباقة والقدرة على تقبّل الآخر واحترام عاداته وديانته ولونه دون إطلاق الأحكام وبلا تمييز وعنصرية وتنمر، والقدرة على تقبّل الأفكار واحترام الاختلاف بلا ضغينة وبلا فتنة وافتعال أزمات، والحفاظ على اللغة الأم مع اكتساب المزيد من اللغات دون أن تقلل الواحدة من شأن الأخرى، وربط اللغة بالهوية والجذور والتاريخ والماضي وما يصل إليه الإنسان من تقدّم في حاضره.. مازال لكل هذه النقاط أهميتها ومكانتها كي يكتمل معنى الثقافة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52duw649

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"