زيت وزيتون في بيت ساراماغو

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قراءة السير الذاتية للكتّاب، وبخاصة الروائيون والشعراء، تكشف عن الأصول الجغرافية والبيئية التي تكوّنت منها فروعهم أو أغصانهم الأدبية، وأجمل تلك الأصول الأرضية هي الحقول والجبال والأشجار ومزارع الطيور والحيوانات، و«خوابي» المؤونة والأرياف المفلوفة، عادة، بالندى والضباب.

في كل مرة تقرأ فيها أدباً خارجاً من تلك القرى المؤثثة بالزرع والماء والغيوم، يتأكد لك أن الكتابة الحية والحيوية في آن واحد، إنما ينجزها أولئك الذين ولدوا في كنف الأشجار، وفي الغالب، هي أشجار عملاقة أو معمّرة، مثل أشجار الزيتون.

وُلد جوزيه ساراماغو (نوبل 1998) في قرية بالبرتغال تدعى أزينهاجا، ويقول إن هذا الاسم يعود إلى أصول عربية، فهو مشتق من الكلمة العربية «الزنقة»، أي الشارع الضيّق، ويتحدث في سيرته الذاتية القليلة التي أعطاها عنوان «الذكريات الصغيرة»، عن زراعة الزيتون في قريته، ويقول إن أشجار الزيتون الأكثر قدماً قد زرعت في هذه الأرض منذ قرنين أو ثلاثة قرون. ويتأسف ساراماغو قائلاً إنه منذ عدة سنوات جرى تدمير قراريط من الأرض المزروعة بالزيتون بلا رحمة، ويقول بالحرف: «اقتلعوا هذا الزيتون الذي ظل على طول أجيال يضيء القناديل ويعطي للأكل طعماً. قدّم الاتحاد الأوروبي الهدايا لأصحاب الأراضي، وأغلبهم من كبار الملّاك مقابل كل شجرة زيتون مقتلعة»، ترجمة: أحمد عبداللطيف.

في كل سيرة صاحب «أرض الخطيئة»، روايته الأولى التي كتبها في عام 1948، لا بد أن تتلاقي إما شجرة زيتون، أو شجرة موز ينام تحتها قطيع من الثيران، وتجد حقولاً من الذرة، وأشجاراً منزوية عالية، وتلاقي شجرة زان كاملة باللون الأبيض، وتجد الخيول. يقول: «ثمرة الكريز أتت بثمرة كريز، أما الحصان فقد أتى برجل».

ما من مكان في سيرة هذا الرجل الذي بدأ كتابة الروايات في سن متأخرة من عمره، إلّا وتجد الماء أو التراب أو العشب أو الطيور، أما الزيت والزيتون اللذان يعطيان طعماً للأكل، فهما في مركز هذه المشهدية الزراعية في قرية أزينهاجا.

تقع الأدبيات الروائية الكبرى في سرديات العالم عادة، في فضاء الريف والقرية، وهو بالضرورة فضاء أفقي أخضر: من الحور إلى الدردار إلى الصفصاف إلى خيلاء السرو بقامته الطويلة، لكن بالنسبة إلى ساراماغو كانت الزيتونة دائماً هي أخت العائلة، إن لم تكن الأم التي تعطي طعماً للخبز، وتموت واقفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck2aka3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"