من السمات والصفات التي عرف الإنسان بها، الفضول، وهو الذي يقوده في العادة نحو التعلم، وهو حالة تبدأ مع الإنسان منذ وقت مبكر، حيث يسعى للاكتشاف والتعرف إلى كل جديد. وهذه حالة تبدأ من تلك اللحظات التي يتلمس فيها محيطه، ويحاول السير على قدميه، ويستمر النمو وتتطور القدرات الحركية والفهم والاستيعاب وتتطور الملكات المعرفية. وعندما يبدأ التعليم المؤسسي في المدرسة، يدخل في نوع جديد من حالات الاكتشاف وهو تعلم اللغة من خلال القراءة والكتابة، ومن خلال العلوم المختلفة مثل الرياضيات والفيزياء وغيرها، وتصبح هذه المعارف التي يكتسبها أساساً يبني عليه باقي العلوم التي يتلقاها طوال حياته القادمة.
وفي مراحل متتالية من العمر، مثل الشباب والشيخوخة، لا تتوقف حالة التعلم، فمن المهارات المهنية والاجتماعية، وتطور الثقافة، وصولاً للتعلم من الخبرات المتراكمة والتجارب والصعوبات والمواقف، يتضح أن قدر الإنسان، هو مواصلة تعلم المهارات والمعارف واختزال المعلومات اللازمة لتيسير حياته وتقدمه، سواء في الجانب المهني أو الاجتماعي، بل لتساعده على التكيف مع التغيرات والتحديات التي تواجهه في كل مرحلة عمرية.
ومع وجود هذا الفضول، هناك صعوبات وعقبات تساهم في البعض من الأحيان من الحد منه، وتضع العقبات التي تمنع التعلم، مثل الحالة الصحية، أو التقدم في العمر، وهناك حالات مثل الإعاقات أو الأمراض المزمنة، كذلك توجد عقبات نفسية واجتماعية، مثل الخوف من الفشل، أو الخوف من الرفض الاجتماعي، وهذه تؤثر في الدافعية والحماس للإنجاز والتعلم. وهناك عقبات التكنولوجيا وتطورها المستمر، والتي تحد من القدرة على استخدامها وبالتالي تجعل الإنسان وكأنه متخلف عن ركب التطور والتقدم.
ومع كل تلك الصعوبات، يبقى فضول الإنسان، وقوة شغفه بالتعلم لا حدود لها، والتاريخ البشري يحمل العديد من القصص والنماذج لعلماء ومبدعين ومبتكرين، نجحوا من رحم الفشل، نجحوا من وسط الصعوبات وقسوة الظروف، وأستحضر في هذا السياق العالمة كارول دويك، الأستاذة في جامعة ستانفورد، في علم النفس، حيث عانت صعوبات تعلم في طفولتها، لكنها تغلبت على هذه الحالة ونجحت في الحصول على شهادة الدكتوراه وأصبحت أستاذة بارزة في علم النفس. بل وطورت نظرية «الذهنية الثابتة مقابل الذهنية المنفتحة»، التي تؤكد على أهمية تبني نظرة إيجابية نحو التعلم والنمو. والشواهد كثيرة ومتنوعة، ولكن هذا يوضح أن التعلم شغف بشري، وقدر حتمي، فلنوجه التوجيه الأمثل، ونستفد الفائدة الأكبر والأوسع...
