75 عاماً من الكلام

04:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبدالخالق

من يتهمون المنظمة بالفشل ليسوا مخطئين رغم قسوتهم ومن يحتفون بنجاحاتها لا يجانبهم الصواب

على وقع جدل قديم متجدد حول دورها، وإخفاقاتها، وإنجازاتها، وجدوى وجودها، احتفلت الأمم المتحدة، يوم الاثنين الماضي، بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها. الاحتفال الذي استهلت به الجمعية العامة دورة اجتماعاتها السنوية جاء باهتاً، وخيمت عليه أجواء كورونا الكئيبة. فلم يشارك فيه أحد من القادة، وأذيعت كلماتهم عبر شاشات تلفزيونية في القاعة شبه الخاوية.

قدمت المناسبة فرصة جديدة للإعلام الغربي لإعادة فتح ملف المنظمة الدولية، وطرح تساؤلات مهمة حول مستقبلها، والدور الذي قامت، أو لم تقم به لتحقيق أهدافها. ورغم جدية المناقشات وأهميتها لم يكن هناك جديد. فقد انقسم المتجادلون كالعادة بين مؤيد للمنظمة مدافع عن إنجازاتها، ومنتقد لها يرى أنها فشلت في تحقيق مهامها الأساسية، وأنها كيان بلا فاعلية، وتكاد تكون منبراً للكلام، ليس أكثر.

كان يمكن أن نتجاهل هذه المناقشات لولا أن للعرب، وقضاياهم، تاريخاً طويلاً مع الأمم المتحدة، ومجلس أمنها بقراراته التي طواها النسيان بعد أن فشل في تنفيذ ما احتوته من نصوص تنصف، ولو جزئياً، الحق العربي. لذلك فإن المتابعة العربية لتلك المناقشات تبدو مهمة خاصة مع تزايد الإلحاح على تنفيذ إصلاحات جوهرية لتطوير أداء المنظمة العجوز.

وفي كل الأحوال، ليس من العدل الانحياز إلى طرف، أو تجاهل الآخر. فمن يتهمون المنظمة بالفشل ليسوا مخطئين، رغم قسوتهم. ومن يحتفون بنجاحاتها لا يجانبهم الصواب، رغم إغراقهم في رومانسية تبعدهم عن الواقع.

المنتقدون يستشهدون بقائمة طويلة من الإخفاقات، أحدثها تعاملها البائس مع أزمة «كورونا» التي لم تستطع قيادة عمل جماعي لمواجهتها. وبسبب الخلافات بين أمريكا، والصين، تأخر القرار الخاص بمواجهة الجائحة ثلاثة أشهر، كانت كافية لإصابة 12 مليون شخص، ووفاة 500 ألف في العالم.

ويحفل تاريخ المنظمة بإخفاقات أخرى، أهمها فشلها في منع المذابح في رواندا 1994، والبوسنة 1995. وعجزها عن منع أمريكا من غزو العراق، وروسيا من ضم القرم. كما فشلت في حل نزاعات إقليمية دامية كما في ليبيا، وسوريا، واليمن.

وفي وجودها تحول العالم إلى غابة، البقاء فيها للأقوى، وفقاً لتعبير صحيفة «الجارديان» البريطانية التي تنقل عن وزير الخارجية العمالي السابق، ديفيد ميليباند قوله «إننا نعيش في عصر الإفلات من العقاب، أو الحصانة للمجرمين. عشرات من جرائم الحرب ترتكب يومياً، والميليشيات المسلحة، والجيوش النظامية، والمرتزقة تنشر الفوضى والخراب في أنحاء متفرقة من العالم، ولا أحد يحاسبها. والقانون الدولي لا يطبّق إلا على الضعفاء، والمغفلين».

وفي المقابل يرد، المدافعون عن المنظمة بأن من الظلم تحميلها مسؤولية كل كوارث العالم، لأن تنفيذ قراراتها في النهاية بيد الدول الأعضاء. أما إنجازها الأكبر فهو نجاحها في منع نشوب حرب عالمية ثالثة. وبفضل دورها أمكن نزع فتيل أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات. ويرى الكاتب الأمريكي ستيفن شيليزنجر، أن الأمم المتحدة نجحت في تسوية صراعات في كمبوديا، والصرب، وجنوب إفريقيا، وكرواتيا، وموزامبيق، وجاواتيمالا، وانجولا. كما فوضت التحالف الدولي في مهمة تحرير الكويت.

ولا يمكن أيضاً الاستغناء عن دورها في قيادة العمل الدولي إزاء قضايا نزع الأسلحة النووية، واللاجئين، ومكافحة الأوبئة، والفقر، والمجاعات والتغييرات المناخية.

ولا ينسى المتحمسون للأمم المتحدة التنديد بالموقف السلبي للإدارات الأمريكية، خاصة الجمهورية، تجاه المنظمة وانتقاداتها الدائمة، لها رغم أن واشنطن التي كانت من المؤسسين الرئيسيين لها، هي أكبر مستفيد منها. وعلى حد وصف مجلة «فورين بوليسي» فإن المنظمة منذ البداية كانت أداة لدعم نفوذ أمريكا، وليست قوة مناهضة لها.

وفي كل الأحوال لا يمكننا، بضمير القاضي وحياده، إدانة المنظمة، فلم يكن بوسعها أن تفعل أكثر مما يسمح به الأعضاء. لكن ليس بوسعنا تبرئة ساحتها، فلم تكن في معظم مراحل تاريخها أكثر من منبر للخطابة، تنتج كلاماً أكثر مما تصدر من قرارات، وحتى عندما تفعل يظل التنفيذ رهناً بإرادة الأقوياء.

إنه عالم يفتقد العدل، فمن أين تأتي به الأمم المتحدة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"