موسم الاتجار بالعنصرية

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

يعي الجمهوريون أن الهجوم على خصومهم هو أفضل وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ونفي الاتهامات الموجهة إليهم بالعنصرية.

يخلق احتضان الليبراليين واليسار للاحتجاجات الجماهيرية المتأججة ضد العنصرية في الولايات المتحدة، انطباعاً لدى الرأي العام هناك، بأن أنصار هذا التيار السياسي هم المدافعون عن مبادئ العدالة والمساواة، وأنهم الجنود الحقيقيون في المعركة ضد العنصرية. وكقاعدة منطقية، يكون خصومهم؛ أي اليمين والتيار المحافظ عموماً، هم الطرف المناوئ لتلك القيم الإنسانية السامية، وهم من يؤيد، حتى ولو بالصمت، اضطهاد السود، وفي أفضل الأحوال لا يهتمون بمظالمهم.

يعزز هذا الانطباع الخطر أن العنصريين ودعاة سيادة الجنس الأبيض، وهي حركة منتشرة في أمريكا، يحسبون فكرياً وسياسياً على اليمين، دون أن يعني ذلك أن كل اليمين عنصري، وهو أمر بديهي، إلا أنه قد لا يكون واضحاً تماماً في أذهان الجماهير المحتشدة في الشوارع.

في زمن الغضب كما في زمن الخوف، تتوارى الحقائق ويتلاشى المنطق ويغيب التفكير العقلاني، ولذلك يخشى الجمهوريون أن يصوت الناخبون تصويتاً عقابياً ضدهم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على أساس وجود قناعة بأنهم يتحملون ولو جزئياً، المسؤولية عن تفشي العنصرية. يعلمون أن المعركة ضد العنصرية تنال منهم، وأن خصومهم يحاولون خلق انطباع عام بأن الموطن الأصلي لهذا الوباء الاجتماعي، وتلك الآفة الإنسانية، يتركز في معاقل الجمهوريين.

يتضاعف قلقهم في ضوء اعتبارين: الأول هو توقيت تنامي تلك المشاعر الخطرة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية. والثاني هو أن الرئيس دونالد ترامب نفسه أحد المتهمين بتغذية النعرات العنصرية. وقد تجنب في أكثر من مناسبة توجيه إدانات صريحة للجماعات المنادية بتفوق العنصر الأبيض.

ومن الطبيعي أن يسارع الجمهوريون بالتحرك، والتحليل المبدئي لمضمون خطابهم السياسي يكشف استراتيجية ذات محورين؛ الأول هو الإدانة الصريحة والقاطعة لكل أشكال العنصرية ضد السود أو غيرهم من الأقليات، ورفض أي تجاوزات للشرطة. الغرض الواضح هو نفي التهمة الموجهة إليهم، وسحب البساط من تحت أقدام الديمقراطيين، وحرمانهم من تقديم أنفسهم باعتبارهم المدافعين الوحيدين عن المضطهدين والمنادين دون غيرهم، بالعدل والمساواة.

المحور الثاني لاستراتيجيتهم الإعلامية، هو هدم أو على الأقل خلخلة جدار الثقة الشعبية في منظمة «حياة السود مهمة» التي تقود الاحتجاجات، لاسيما بعد أن كشف استطلاع للرأي أجراه معهد «بيو» أن نحو ثلثي الأمريكيين يؤيدونها. ويخشى الجمهوريون أن يتم توظيف هذه الشعبية الجارفة لدعم الديمقراطيين.

السلاح الذي يستخدمونه هنا هو التشكيك في نوايا المنظمة، وخلق حالة من البلبلة بشأن توجهات قادتها. ويعكس ما يصدر عن مركز «هيريتدج للأبحاث السياسية» وهو أحد معاقل اليمين الكبرى، ملامح هذه الاستراتيجية بوضوح، خاصة ما ينشره موقع «ديلي سينجل»؛ الذراع الإعلامية للمركز عبر الإنترنت.

الشق الدفاعي في الاستراتيجية يتولاه قادة وأعضاء الحزب الجمهوري من خلال تصريحات وبيانات تظهر تعاطفهم مع السود، وإدانتهم لأي ممارسات عنصرية بحقهم. أما الشق الهجومي الذي يقوم به الخبراء والمعلقون، فيركز على تكتيكين أساسيين؛ الأول اتهام الديمقراطيين والليبراليين بممارسة الإرهاب الفكري، ومحاولة إلصاق تهمة العنصرية بكل من يختلف معهم، وفي مقدمتهم بالطبع الحزب الجمهوري.

التكتيك الثاني هو الإلحاح بتصنيف منظمة «حياة السود مهمة» جماعة شيوعية، وأن واحدة على الأقل من السيدات السود الثلاث المؤسسات لها عام 2013 اعترفت بميولها الماركسية. وهذه تهمة تفزع الرأي العام وتكفي لتقويض شعبيتها وهز ثقة الجماهير في قادتها. ومن يعرف التاريخ الأمريكي يفهم تماماً خطورة تهمة الشيوعية، وهي سلاح مجرب بنجاح منذ ستينات القرن الماضي.

يعي الجمهوريون أن الهجوم على خصومهم هو أفضل وسيلة للدفاع عن أنفسهم ونفي الاتهامات الموجهة إليهم بالعنصرية. وإذا كان من الصعب وصف الديمقراطيين بالعنصرية، فعلى الأقل يمكن اتهامهم بعرقلة إجراء حوار هادف حول أفضل السبل لمواجهتها. هذا ما يقولونه بألسنتهم ويعلم الله وحده ما في قلوبهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"