الرعب الإخباري والدرامي

02:57 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

تشهد الأحداث التاريخية الكبرى ظواهر عدة تحتاج إلى الرصد والتحليل والتأمل قليلاً، ولعل أبرز تلك الظواهر يتمثل في رواج أفكار نظرية المؤامرة، وانتشار الإحساس بقرب نهاية العالم، وهو ما يبدو واضحاً لكل متابع للكثير من الأخبار والقصص والتغطيات المرافقة لفيروس كورونا في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في وسائل إعلامية رصينة.

في الفترة الأخيرة لاحظنا العديد من الموضوعات تتعلق بكوارث «كونية»: توقعات باصطدام كويكب ما بالأرض، المجال المغناطيسي للأرض يضعف، الشمس تدخل في سبات سيؤدي إلى برد قارس ومجاعات وزلازل..وغيرها من عناوين تنسجم مع الفضاء العام لأزمة الفيروس، ولكنها تؤدي إلى مزيد من الخوف والتوتر، وعلى هامش تلك العناوين فيضان من أفلام ومسلسلات وكتب تتحدث عن المصائب التي تنتظر البشر الآن أو في المستقبل، بحيث يجد المتلقي نفسه في حلقة جهنمية من الرعب الإخباري والدرامي.

يعتقد القائمون على وسائل الإعلام التي تركز على تلك الأخبار وتضعها في المقدمة، وتفرد لها مساحات واسعة، وأيضاً المسؤولون عن شبكات الترفيه أنهم لا بد أن يواكبوا الأحداث، أو يستثمروها بما يؤدي إلى مزيد من المتابعة والربح، ولكنهم يتناسون أنهم ينشرون القلق والتشاؤم، وربما تؤدي رسالتهم إلى نتيجة عكسية وغير مطلوبة في مثل هذه الظروف، فتصاعد معدلات التوتر ستنتج سلوكيات لا تبالي بأي شيء، ولا تأخذ في الاعتبار بالحيطة والحذر في التعامل مع الفيروس.

اللافت للانتباه أيضاً أن معظم الدراما التي تتناول الأوبئة والكوارث وتبشر بنهاية العالم تتسم بالغموض وتمتلئ بالأسرار الغريبة المعقدة والمتشابكة الأطراف وتفصح عن أهداف لا يتوقعها أحد، وتخلو من الرؤية العلمية، الأمر الذي يتقاطع مع نظرية المؤامرة، وهو ما يفسر بعض الآراء الأغرب من الخيال التي نطالعها أحياناً في مواقع التواصل لتفسير انتشار كورونا، فمن يكتب هذه الآراء والتعليقات مشبع بأجواء تلك الدراما.

في مذكراته «عالم الأمس» يتحدث الروائي والمفكر النمساوي ستيفان تسفايج عن حياته المأساوية في النصف الأول من القرن العشرين، التي توزعت على حربين عالميتين وأزمة اقتصادية عالمية طاحنة امتدت لعقد كامل مصحوبة بصعود الفاشية والنازية، ومع ذلك ترك تسفايج العديد من الروايات والكتب التي أمتعت آلاف القراء، ورسخت للأمل والسلام مع النفس.

نحن نعيش أزمة وباء، ويحق لنا أن نتوتر ونقلق، هذا شعور إنساني طبيعي وصحي، ولكن هناك الكثير من المشاعر الأخرى التي يجب أن يركز عليها الإعلام والدراما ويروجان لها، من خلال معالجات رصينة، تتعامل مع الوباء وفق حجمه الحقيقي، وتضع مصلحة المتلقي فوق أي اعتبار آخر، ويأتي على رأس هذه المشاعر التفاؤل بغد أفضل لابد أن يعقب جائحة «كورونا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"