«كورونا» وأسئلة النهايات

05:00 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

منحتنا أزمة فيروس «كورونا» فرصة لاختبار فكرة النهايات، تلك الفكرة النظرية التي كان يحلو للكثيرين ترديدها من باب التمارين العقلية التي لا محل لها من الإعراب في الواقع، لقد تحدث البعض دائماً عن سلسلة من النهايات وفي مختلف الحقول والمجالات، السياسية والاقتصادية والفكرية. إن أطروحات مثل: نهاية الفلسفة، نهاية المثقف، موت المؤلف..الخ، كانت تحتاج إلى قراءات وتفسيرات طويلة، وكانت تستوقف العديد من المتابعين، وأثارت الدهشة والأسئلة، وبدت أحياناً مغرقة في الفانتازيا، ولم تكن تهم شرائح واسعة من الناس.
ولكن كورونا جعلنا على تماس مباشر وبشكل يومي مع نهايات حقيقية، نهاية التعليم التقليدي، وكذلك العمل..التسوق، وربما الترفيه، وحتى التواصل الإنساني بمفهومه العام، من زاوية حظر التجمعات سواء في الأسواق أو على الشواطئ أو المطارات أو حتى المناسبات الاحتفالية. إذن نحن أمام تحولات تتعلق بالبشر كافة من مختلف الطبقات والشرائح والفئات العمرية.
إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن نتيجة لهذه الصورة، هل ستدفع تلك التحولات بعض الأصوات إلى المطالبة بديمومتها بعد نهاية أزمة الفيروس؟، على الأقل في التعليم والعمل، أم أن الحياة ستعود طبيعية كما كانت وكأن شيئاً لم يكن؟. لقد اختبرنا ممارسة الحياة عن بُعد خلال بقائنا في المنزل، وهو واقع جديد تنبأ البعض منذ سنوات، مع الثورة التقنية فائقة الحداثة، بسيادته في المستقبل، أي أننا، من دون كورونا، كنا مقبلين، حتماً وبفعل التطور، على مرحلة نتعلم ونعمل فيها ونحن نجلس في بيوتنا، ولكن من تخيل هذا المستقبل، الذي تهب علينا رياحه الآن، لم يتطرق إلى أن هذا الواقع الجديد سيفرز قوانينه الاجتماعية المختلفة عن قوانين المجتمع التقليدي، تلك القوانين التي تعارف عليها البشر لآلاف السنين، وهي مسألة تنتظر اجتهادات علماء الاجتماع والنفس، فإلى أي مدى نحن على استعداد للتعامل مع عادات وتقاليد مغايرة؟، وماذا عن منظومة القيم المرتبطة بالعمل والتعليم؟.
نحن لا ندرس أو نعمل، من أجل تحصيل المعارف أو حيازة درجة علمية أو تأمين حاجاتنا المادية وحسب، ولكننا أثناء ذلك نبني شبكة علاقات، ونحصل على فرصة لمراكمة خبراتنا في الحياة وتنمو شخصيتنا ببطء حتى تتبلور، فالإنسان لا يكتشف ذاته: عوامل قوته ونقاط ضعفه وإيجابياته وسلبياته إلا في مرآة الآخرين، وكلها مفردات لا تكتمل إلا بالتواصل الإنساني المباشر.
لقد قال سارتر يوماً «الجحيم هو الآخرون»، كان يعبر عن واقع مأساوي أعقب الحرب العالمية الثانية، أما معظمنا الآن، وبعد شهرين من العزلة، فعلى النقيض تماماً من سارتر، نحلم بالحياة في صخبها، ونسأل عن مدى استعدادنا لمستقبل بشّرتنا فيه التقنية بالعزلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"