معركة ترامب ضد بايدن والديمقراطية

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لا يأخذ المواطن الأمريكي العادي على محمل الجد تحذيرات الرئيس دونالد ترامب، باحتمال تزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة لمصلحة منافسه الديمقراطي، جو بايدن. وبناء على هذه المخاوف التي لا تدعمها أي أسانيد موضوعية، أو أدلة دامغة، يرفض ترامب التعهد بتسليم السلطة إلى خصمه إذا خسر. ويكرر دائماً أن فوز بايدن يعني تلقائياً أن الانتخابات مزورة. ولأنه صاحب رؤية، كما يقول، فقد وضع يده على بيت الداء وهو الاقتراع عبر البريد الذي يرى أنه مؤامرة يحوكها الديمقراطيون للإطاحة به عبر التلاعب بإحصاء عدد الأصوات.

ولم يقدم ترامب دليلاً واحداً يدعم ظنونه. ولا توجد دراسة أو تقرير رسمي يؤكد إمكانية حدوث تزوير، خاصة أنه ردّد الادعاءات في الانتخابات الماضية التي فاز فيها على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. ومع ذلك، لم يعترف بأن ادعاءاته كانت قنابل دخان لتبرير فشله إذا حدث.

المواطن الأمريكي الذي نشأ في أجواء ديمقراطية، لا يصدّق، ولا يتخيل تزوير أي انتخابات على أي مستوى في بلاده. ولا يخطر على ذهنه حتى في أسوأ الكوابيس السياسية أنه سيأتي اليوم الذي يرفض فيه رئيس أمريكي مغادرة البيت الأبيض، وتسليم السلطة لمنافسه إذعاناً لإرادة الشعب ورغبة الناخبين.

يصدم موقف ترامب المواطن الأمريكي المطمئن لرسوخ ديمقراطيته، والذي اعتاد مطالعة الأنباء القادمة من العالم الثالث عن تزوير الانتخابات، واحتكار السلطة باعتبارها من الأوبئة السياسية المتوطنة هناك، ولا سبيل لانتقال عدواها إلى نظامه الديمقراطي المحصن جيداً.

لذلك ليس غريباً أن يعتبر خصوم ترامب أنه هوى بمكانة بلاده وسمعتها من ذروة ألقها الديمقراطي، وفي القلب منه قدسية مبدأ تداول السلطة ونزاهة الانتخابات، إلى حضيض السلطوية البائسة بكل مظاهر التشبث بالمنصب، وتزييف إرادة الشعب. وهكذا يزج ترامب ببلده عنوة في نادي العالم الثالث البائس. الفارق الوحيد أن اتهامات التزوير تأتي دائماً من المعارضة، وليس من الرئيس الجالس على قمة السلطة، ولديه كل الأدوات القانونية والسلطات التنفيذية لضمان شفافية الاقتراع ونزاهته.

وإذا كان ترامب جاداً في تهديده بعدم تسليم السلطة لو خسر فسوف تكون تلك سابقة في التاريخ الأمريكي، وهو ما يعني أن أكثر فصول المعركة الانتخابية إثارة سيبدأ بعد الاقتراع، وليس خلال الحملة الدعائية الجارية. ووفقاً للدستور، فإن موعد تسليم السلطة هو العشرين من يناير/ كانون الثاني التالي لإجراء الانتخابات التي ستكون في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وإذا تعذر إعلان اسم الفائز قبل موعد التسليم يتولى رئيس مجلس النواب الرئاسة مؤقتاً.

وطوال ما يزيد على 200 عام من التجربة الديمقراطية الأمريكية لم يحدث أن رفض رئيس تسليم السلطة حتى في الحالات التي تدخلت فيها المحكمة العليا لحسم النزاع حول إحصاء الأصوات، كما حدث في انتخابات 2000 بين بوش الإبن وآل جور. وظلت عملية الانتقال من رئيس لآخر تجري بسلاسة منذ تسليم جورج واشنطن أول رئيس أمريكي السلطة لخلفه ونائبه السابق جون أدامز عام 1797.

ليست الإساءة إلى الديمقراطية الأمريكية خطيئة ترامب الوحيدة من وجهة نظر الكثير من الأمريكيين، الخطر الحقيقي لموقفه يكمن في ما يمكن أن تثيره حالة البلبلة، واهتزاز الثقة بنزاهة الانتخابات التي خلقها في تفجير اضطرابات واسعة، لاسيما بين أنصاره الذين سيعتقدون، إذا خسر، أن الانتخابات قد سرقت منهم، وأنه الفائز الحقيقي.

وفي ظل الاستقطاب الحاد الذي تعيشه الولايات المتحدة، ومع اشتعال غضب اليمين المؤيد لترامب في مواجهة الديمقراطيين والليبراليين والسود المستنفرين منذ شهور للاحتجاج على التمييز العنصري، تصبح الأجواء الملتهبة مهيأة تماماً لصدامات مروعة، وعنف لا يعرف أحد المدى الذي يمكن أن يبلغه.

لذلك لم يبالغ الكاتب الشهير توماس فريمان عندما قال إنه بدأ حياته العملية بتغطية الحرب الأهلية في لبنان، وإنه يخشى، وهو في خريف العمر، أن ينهي حياته بتغطية الحرب الأهلية الثانية في بلاده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"