هاريس تحت المجهر العربي

06:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

السياسي في الولايات المتحدة مثل كل المشاهير تظل حياته كتاباً مفتوحاً كل ما فيه يعد مستباحاً من جانب خصومه وحلفائه على السواء، وقبلهم بالطبع الإعلام، المتعطش للأخبار والأسرار والفضائح. في هذا السباق المحموم؛ تسقط الحواجز بين الحياة الخاصة والنشاط العام، ويلجأ إليها الباحثون عن أي معلومة قد تخدم مصالحهم وطموحاتهم السياسية، أو تعود عليهم بالربح المادي.
اعتاد السياسيون على هذا الاقتحام المباغت لحياتهم. ولابد أن السيناتور كامالا هاريس، وهي شخصية عامة منذ سنوات، لم تفاجئها الهجمة الشرسة التي تعرضت لها من الفضوليين؛ بعد أن أعلن جو بايدن المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة اختيارها نائبة له.
من الطبيعي أن تكون مواقفها، وكل ما يتعلق بحياتها خضع للتمحيص والتدقيق المكثفين من الحزب الديمقراطي نفسه، قبل اختيارها حتى لا يباغته الجمهوريون والإعلام بمفاجآت غير سارة؛ تسفر عنها عمليات التنقيب، في ماضيها، وتاريخها المهني، وحياتها الخاصة.
لا يعنينا من أطنان المعلومات المتاحة سوى استخلاص ما يتعلق بمواقفها من القضايا العربية. والحقيقة أننا لم نعثر على شيء استثنائي بعد وضع كل ما أمكن جمعه تحت المجهر العربي. تتوافق أراء هارس مع التيار السائد في حزبها، ويعبر عنه ويجسّده بايدن نفسه، وهو أحد أصدقاء «إسرائيل» المخلصين، وصديق حميم لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
ربما تكون هاريس أقرب عاطفياً ل«إسرائيل» والمجتمع اليهودي الأمريكي؛ بحكم زواجها من محامٍ يهودي؛ هو دوجلاس ايمهوف؛ لذلك يعدها اليهود واحدة منهم. ليس غريباً أيضاً أن المهاجرين عموماً لديهم نفس الإحساس؛ باعتبارها ابنة مهاجرين. والأمر ذاته مع ذوي الأصول الهندية؛ بحكم جذور أمها الهندية، وكذلك بالنسبة للمتحدرين من أمريكا اللاتينية؛ لكون والدها من جاميكا. وبسبب لون بشرتها؛ فهي جزء من مجتمع السود. ومن الطبيعي كامرأة أن تكون قريبة من قلوب النساء.
غير أن قربها من قلوب اليهود ليس بسبب زوجها فقط؛ ولكن لأنها بقيت طول مسيرتها كمحامية ومدعية عامة من أشد المتحمسين لقضاياهم كأقلية تتعرض لجرائم التحريض على الكراهية أو معادة السامية، فضلاً عن مواقفها التقليدية الداعمة ل«إسرائيل». وقد أعرب المجلس الديمقراطي اليهودي عن ترحيبه الحار بترشيحها، معتبراً أن لديها نفس أولويات الناخب اليهودي.
على المستوى السياسي، تحدثت هاريس مرتين أمام المؤتمر السنوي لمنظمة «إيباك» أقوى جماعات الضغط اليهودية في أمريكا. الأولى في عام 2017 وهو نفس العام الذي زارت فيه «إسرائيل»، والتقت نتنياهو، أي بعد عام واحد من انتخابها في مجلس الشيوخ. وتحدثت أمام المؤتمر للمرة الثانية في عام 2018.
وقد نشرت صحيفة «إسرائيل تايمز» مجموعة تصريحات وتغريدات منسوبة إليها، تلخص مجمل مواقفها الشرق أوسطية. وهي من مؤيدي «حل الدولتين». وتدعم استمرار المساعدات العسكرية ل«إسرائيل» والتحالف معها. ويخلو سجلها، فيما وصل إلينا حتى الآن، من أي انتقاد لاعتداءات «إسرائيل» ضد الفلسطينيين؛ بل تدعم حقها في الدفاع عن نفسها، ولم يحدث أن دانت الاستيطان؛ بل على العكس شاركت عام 2017 في إعداد مشروع قانون، يوجه اللوم لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما؛ لسماحها بصدور قرار لمجلس الأمن؛ يدين السياسات الاستيطانية.
ومن اللافت للنظر، أن منظمة «جيه ستريت» وهي جماعة ضغط يهودية أكثر اعتدالاً من «إيباك» ذات الهوى الليكودي، وإن كانت أقل حجماً، ونفوذاً، رفضت دعم هاريس في مجلس الشيوخ على الرغم من تأييدها لنصف الأعضاء الديمقراطيين بالمجلس.
ومع ذلك يوجد موقفان تختلفان فيه مع التيار اليهودي؛ الأول تأييدها للاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمه أوباما، وانسحب منه ترامب، وتعهدت بإعادة الالتزام به؛ الثاني معارضتها لمشروع قانون يحظر الدعوة لمقاطعة «إسرائيل»؛ بسبب الاستيطان. وعلى الرغم من أنها تعارض هذه الحملة؛ لكنها رفضت المشروع؛ لأنه ينتهك حرية التعبير. إلا أن الأمر لم يأخذ أكبر من حجمه، واعتبر الطرفان أنه خلاف عابر لا يفسد للود قضية.
عموماً تبدو مواقف بايدن وهاريس من القضايا العربية معتدلة للغاية بالمقاييس الأمريكية. وفي حدها الأدنى أفضل بكثير من مواقف الإدارة الحالية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"