المجالس.. مدارس القيم

02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة:أمل سرور

تعد المجالس في البيوت الإماراتية جزءاً أصيلاً وعنصراً أساسياً من عناصر التراث، إذ كانت و ما زالت لها الدور الأساسي في تعليم وتربية الأجيال على مواجهة الحياة والتغلب على متاعبها، فهي مدرسة الإنسان التي تفرز عقولاً ناضجة وواعية تخدم أوطانها.
المجالس أنواع، منها العامة، وما يخص البيئة الساحلية الإماراتية، مثل مجالس التجار وصيادي الأسماك والبحارة، وتجار اللؤلؤ«الطواويش»، بالإضافة إلى تلك المجالس المعروفة والمشهورة في منازل بعض العائلات الكبيرة في المجتمع الساحلي.
بينما تختلف مجالس البادية التي كانت عبارة عن بيت من الشعر، كما يمكن أن تكون إحدى أشجار الغاف الكبيرة ذات الظل الوارف، وتجمع أفراد العائلة تحت سقفها.

تختلف أشكال المجالس حسب كل بيئة ينتمي إليها الأجداد في البادية أو الحضر، إلا أنها توحدت جميعها على حسن الاستقبال والضيافة والمحافظة على قيمتها ورسالتها منذ القدم، والتي ما زالت رمزاً للكرم وصورة من صور التواصل والتكافل والتعاضد الاجتماعي.
والمجلس في البادية يديره شيخ من شيوخ القبائل، وفيه يلتقي ويناقش الأجداد أحوالهم ويتناقلون الأخبار وما يستجد من أمور في منطقتهم، ويسمى المجلس في هذه الحالة «برزة»، ويكون عبارة عن بيت من الشعر قرب بيت شيخ القبيلة أو يتوسط منازل القبيلة، وقد يكون المجلس عبارة عن مكان مفتوح محاط من ثلاث جهات بأغصان أشجار الغاف والسمر، لكي يقي الجالس الرياح وتطاير الرمال، وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً بين قبائل البادية الرحل، كما يمكن أن تكون إحدى أشجار الغاف الكبيرة المتميزة بظل وارف مجلساً للاستقبال.
ولأن البدوي في صحراء الإمارات كان عاشقاً للبر والخلاء، محبا للحرية وعناصر الطبيعة الثلاثة التي وجد نفسه يتعامل معها والتي وهبه الله إياها، وهي الصحراء المترامية الأطراف والقمر والنجوم في المساء، لذا فإن أبناء البادية يعشقون التجمع في مجالسهم خلال الليالي المقمرة للسمر والسهر وتناول القهوة وحليب النوق. والأمر المتعارف عليه إلى يومنا هذا أنه إذا قصد الضيوف مساكن أهل البادية فإنهم يتوجهون إلى المجالس، حيث يستقبلهم أهل المنطقة بكل ترحاب فإذا أنزلوا أمتعتهم عن ظهور رواحلهم أقبل أهل المنطقة مرحبين بهم، وإذا لم يجد الضيوف أهل البادية في الأماكن والمواضع التي قصدوها، بحثوا عنهم فوق الكثبان والتلال الرملية، وإذا وردوا آبار المياه استدلوا بآثارهم على مساكنهم، فإن كانت آثار القوم قد اختفت فهو دليل على انتقالهم وارتحالهم عن الماء إلى منطقة أخرى.


آداب المجالس


لدخول المجلس آداب وقواعد وعادات يحترمها الجميع، فإذا ما دخل أحدهم مجلساً أو «برزة» فإنه سرعان ما يتجه إلى وسط المجلس، حيث يجلس كبير القوم سناً أو مكانة فيسلم عليه ثم يصافح من هو على يمينه واحداً تلو آخر، ومجالس الحكام الشيوخ قد تكون داخل القصر أو خارجه وغالباً ما تكون غرفة داخلها مقاعد طويلة يجلس الحاكم للنظر في أمر رعيته ويحل مشكلاتهم مشافهة، فإذا ما قدم أحد الأفراد إلى مجلس الحاكم يتوجه للسلام على الحاكم، ويقف الحاكم لرد التحية، وكذلك يقف من كان في «برزته»، ومن ثم يتجه للسلام على الآخرين.
وتختلف مجالس الحضر والساحل عن البادية من حيث نوعية بنائها، فقد يكون البناء من السعف، ويستخدم فيه جريد النخيل، وقد يكون من الأحجار والصخور البحرية المحشوة بالطين، وقد يكون المجلس عبارة عن خيمة مصنوعة من «السعف»، وتفرش من الداخل بالحصير، ويثبت في الخيمة «الفنر» وهو مصباح الإنارة الذي يعمل بالكيروسين ويحل الضيف على أحد المجالس فيستقبل بترحاب، ويبدأ بتوضيح مقصده من زيارة المدينة.
وتزداد مجالس البيوت بهجة وتألقاً في رمضان، وإلى جانب أنها للألفة والسمر فهي مدارس للتعليم أيضاً، حيث يتحدث أصحاب الخبرة من كبار السن عن تجاربهم مع الحياة وما اكتسبوه خلال سنوات عمرهم المديدة من حكمة، وهو ما يجعل العادات والتقاليد تفوح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"