التوهم المرضي يمنع المصاب من ممارسة العمل

01:28 صباحا
قراءة 5 دقائق

يعاني البعض وجود آلام وأعراض لا تتوافر لها أية أسباب عضوية، ونتيجة لهذه الحالة فإن الكثيرين يترددون على العيادات الصحية وزيارة الأطباء.
ويعرف هذا الاضطراب بالتوهم المرضي، أو القلق المرضي، ويصنف على أنه اضطراب نفسي، وبسببه فإن المصاب يعاني وساوس تستحوذ على تفكيره، وتشغله بشكل دائم بأنه يعاني مرضاً خطراً أو مهدداً لحياته، ولم يشخص بعد.

يبدأ هذا المرض بشكوى مستمرة عن آلام في أماكن مختلفة من جسده، ولا يوجد تشخيص طبي لها، ومن ثم يتطور الأمر، ولا يثق المريض بآراء الأطباء، ويشك في نتائج التحاليل والفحوصات التي تؤكد أنه لا يعاني أي مرض عضوي.
ويتسبب هذا الاضطراب في شعور الشخص بقلق بالغ يظل لفترة طويلة؛ وذلك على الرغم من أنه لا يوجد دليل طبي يثبت أنه يعاني مشكلة صحية خطرة، ويزداد الوضع سوءاً إذا كان يعاني الوسواس القهري.
ونتناول في هذا الموضوع مشكلة التوهم المرضي بكل تفاصيلها، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وأيضاً بعض الأعراض التي تظهر نتيجة هذه المشكلة، ونقدم طرق الوقاية التي ينصح بها الباحثون، وأساليب العلاج المتبعة والمختلفة.


مرحلة المراهقة


يشير الأطباء إلى أن لمشكلة التوهم المرضي عدة صور، ولكن الحالة التقليدية له هو أن يشكو المصاب بهذا الاضطراب من أعراض مرض خطر، أصيب به مريض في دائرة معارفه، ومن الممكن أن يكون توفي بسببه.
وتبدأ الإصابة بهذا المرض في الأغلب في مرحلة المراهقة حتى الشباب، وتعد المرحلة العمرية من 18 وحتى 35 هي الأكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة.
ويرجع ذلك إلى أن الشباب في العادة يمتلكون الطاقة، وإذا تعرضوا لإحدى الصدمات النفسية، فإنهم يشعرون بالعجز، وبالتالي يكونون عرضة للإصابة بالتوهم المرضي.


النساء أكثر


يظهر التوهم المرضي كثيراً في الشيخوخة، وربما كان سبب ذلك حاجة المسنين للفت الانتباه، كما أن الأطفال لا يصابون به إلا في الحالات التي فقد فيها الأم، أو عند الإيداع في مؤسسات الرعاية. ويلاحظ أن معدل الإصابة بهذا المرض في النساء أكثر من الرجال، وأيضاً فيمن يعانون إعاقة أو حالة عجز.
وتوجد مجموعة من الأمراض التي يشكو منها المصاب بالتوهم المرضي، والتي تشمل آلاماً في الجسم وأعراضاً في الجهاز العصبي أو القلب الدوري.
ويشكو المريض من التعب عند بذل أقل مجهود، أو أقل تركيز، والذي يحيله في الأغلب إلى فقر الدم، أو كسل الكبد أو نقص المناعة.


تهويل الأعراض


يشكو المصاب بالتوهم المرضي من أعراض غير محددة، والتي تشمل اضطراباً في الرؤية وآلاماً في مختلف أنحاء الجسم كالصدر والبطن، مع الشعور بالغثيان والدوار.
ويدور تفكيره بصورة مستمرة حول سلامة جسمه وصحته، ويمكن أن يقوم بتفسير هذه الأعراض بأنها مميتة، أو التهويل من الأعراض البسيطة، كأن يتوهم إصابته بالتهاب رئوي، لمجرد أنه أصيب بالبرد والسعال.
ويحرص بسبب ذلك على تكرار زيارة الطبيب، أو زيارة عدد كبير من الأطباء؛ وذلك بهدف السيطرة على حالته، على الرغم من ذلك فإن هذه الزيارات لا تبث في نفسه الطمأنينة، ويبحث عن أطباء آخرين، ومن الممكن أن يلجأ بعض المصابين لإجراء فحوصات مريحة أو مؤلمة من دون الحاجة إليها.


رغبة في الإثبات


يقتنع الكثير من المصابين بوجود أعراض الأمراض النادرة لديهم، ويدخلون على شبكة الإنترنت؛ من أجل البحث عن هذه الأعراض ومطابقتها عليهم كنوع من الرغبة في الإثبات لهذه الأمراض، ودائماً ما يحاولون البحث عن نماذج توضيحية لأعراضهم المرضية.
وتكون لديهم رغبة في إثبات شدة الأعراض المرضية، ولا يستطيع الكثير التركيز في مهامهم اليومية العادية، وفي الحالات الشديدة لا يتمكنون من العمل.
ويمكن أن يصاحب التوهم المرضي أمراض نفسية أخرى، كالاكتئاب والوسواس القهري، والتي تدفع الشخص إلى أن ينعزل عن المحيطين.


فهم خاطئ


يظن المصاب بالتوهم المرضي أنه يعاني مرضاً عضوياً، غير أن حقيقة مشكلته تكون نفسية المنشأ، والتي لها العديد من الأسباب.
وتبدأ هذه الأسباب بالحساسية النفسية لدى البعض، والتي تجعلهم يتوهمون أنهم من المصابين بأحد الأمراض، التي ربما سمعوا عنها من أحد الأطباء، أو بسبب فهم غير سليم أو خاطئ، أو قراءة غير واعية عنه، وعلى غير أساس علمي من أحد المواقع، أو وسائل التواصل الاجتماعي أو إحدى المجلات.
ويعد القلق والضعف العصبي والعدوان المكبوت من ضمن هذه الأسباب، وكذلك عندما يفشل الشخص في حياته، وبخاصة الفشل في الحياة الزوجية.
ويصبح توهم المرض في هذه الحالة تعبيراً رمزياً عن هذا الشعور، ومحاولة منه للهروب من مسؤوليات الحياة أو السيطرة على المحيط، من خلال كسب المحيطين والمخالطين.


عدوى نفسية


يمكن أن ترجع الإصابة بهذا المرض إلى العدوى النفسية؛ حيث يكتسب المريض الأعراض من والديه اللذين قد تكون لهما نفس حالة التوهم المرضي.
ويؤدي هذا إلى اهتمامهم الزائد بصحة أبنائهما، مما يتسبب في خوف دائم لدى الأبناء من أي مرض بسيط، مثل: البرد أو المغص أو الصداع، وتتسبب هذه الأعراض في الإصابة بالذعر الشديد.
وترجع الإصابة بمشكلة التوهم المرضي في بعض الأحيان إلى إصابة شخص مقرب بمرض ما كان سبباً في وفاته، فيعتقد الشخص أنه سيصاب بنفس المرض، وكذلك لو كان الشخص يعاني الوسواس القهري، فإنه ربما يتوهم إصابته بالمرض بمجرد سماعه عنه.


أدوية مختلفة


يتم في الأغلب اكتشاف الإصابة بحالة التوهم المرضي؛ من خلال ملاحظة شكوى المريض الدائمة من أعراض المرض، والآلام غير الموجودة. وينعزل الشخص المصاب عن المحيطين به، مع تصاعد انفعالاته، ويصبح عصبي المزاج، ويفقد قدرته على العمل والاستمتاع بالحياة.
ويتم عرضه على الطبيب العضوي الذي يكتشف أنه لا يعاني أي مرض جسدي، وبالتالي فإنه يحيله إلى الطبيب النفسي، فهو الوحيد القادر على التعامل مع المصاب بهذا المرض، كما أنه يرشد المقربين منه إلى كيفية التعامل معه. ويشمل علاج التوهم المرضي استخدام أدوية نفسية وهمية، مع استخدام الأدوية المهدئة، ويمكن كذلك الاستعانة بمضادات الاكتئاب.


الخطوة الثانية


تعد الخطوة الثانية في علاج هذا الاضطراب العلاج السلوكي، والذي يتعلم فيه المصاب كيف يتعامل مع أعراض الخوف والقلق بشكل جيد.
ويشارك في هذه الخطوة أفراد الأسرة والأقارب؛ وذلك من خلال البحث عن نموذج توضيحي مشترك، والاستفسار هل يعاني الآباء قلقاً مفرطاً بخصوص صحتهم وأي أعراض جسدية؟
ويساعد العلاج السلوكي في العثور على تفسيرات أخرى لتوهم المرض، وليس زيارة الطبيب كل مرة، ومن الممكن أن يكون العلاج من خلال العمل والرياضة والترفيه؛ وذلك بهدف إخراج المريض من التركيز على نفسه، وتعديل البيئة التي تحيط به، وكذلك محيط العمل.
وتتوقف مدة العلاج بحسب البرامج التي يطبقها الطبيب على المريض، والتي من الممكن أن تراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر أو أكثر في بعض الأحيان.
ويجب الانتباه إلى أهمية مراقبة المريض؛ خشية سيطرة الأفكار الانتحارية عليه، وبخاصة في الحالات التي يصاحب فيها التوهم المرضي حالة الاكتئاب، وبصفة عامة فإن المصاب يستعيد ثقته في نفسه بالتدريج، ويعود لممارسة حياته وعمله من جديد.


مشاكل حقيقية


تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن مشكلة التوهم المرضي يعانيها من 2% إلى 5%، وتؤدي إلى لجوء المصاب إلى تناول الأدوية من غير استشارة الطبيب، مما يتسبب في إصابته بآثار جانبية مختلفة، وبالتالي تحدث له مشاكل جسدية حقيقية.
ويمكن أن يلجأ بعض المرضى للدجالين والمشعوذين؛ وذلك للتعرف إلى طبيعة الأعراض التي يشكون منها، كما أن الكثيرين يوافقون بسهولة على الخضوع لأي عملية جراحية، وعلى تلقي العلاجات المؤلمة، على الرغم من معاودة الكرة مرة أخرى.
وعرف هذا المرض منذ العصور الإغريقية؛ حيث أشار إليه العالم هيبوقراط بقوله إنه الإعياء الذي لا يعرف له سبب، وفي تعريف آخر أنه إحساس بوجود مرض لا دليل عليه، وإنما هو يشير إلى علة في القوى الإدراكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"