إثيوبيا.. انقلاب «الأمهرة» يزعزع الإصلاحات

02:34 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبدالحليم

منذ توليه السلطة في عام 2018، في أعقاب استقالة رئيس الوزراء هايلي ماريام ديسالين، بعد سنوات من الاحتجاجات؛ رداً على سياسات الإقصاء الاقتصادي والسياسي، التي تبنتها الحكومة الإثيوبية ضد أبناء القوميات الكبرى في البلاد، قاد أبي أحمد، وهو أول رئيس من جماعة الأورومو (أكبر جماعة عرقية في البلاد) يتولى السلطة في البلاد، تحولاً سياسياً ملحوظاً في البلاد.
آبي أحمد وضع حداً للقمع؛ من خلال إطلاق سراح الآلاف من السجناء السياسيين، وإزالة الحظر المفروض على الأحزاب السياسية المعارضة، وإلغاء الحظر عن مئات المواقع الخاضعة للرقابة، والإشراف على محاكمة المسؤولين، المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وإلغاء حالة الطوارئ، ووضع خطط؛ لفتح القطاعات الاقتصادية الرئيسية أمام المستثمرين من القطاع الخاص، بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة. كما استعاد العلاقات الدبلوماسية، وأنهى الصراع الذي استمر لأكثر من 20 عاماً بين إثيوبيا وجارتها إريتريا.
وعمل على تعزيز مكانة المرأة الإثيوبية؛ فمنح أكثر من نصف حقائب حكومته للنساء، كما عيّن البرلمان الإثيوبي في عهده أول رئيسة في البلاد، ساهل وورك زويد، وأدت أول رئيسة للمحكمة العليا في البلاد، ميزا شنافي، اليمين الدستورية.
إلا أن إصلاحات أبي أحمد، التي أشاد بها العالم لم تلق قبولاً ومساندة من كافة طوائف الشعب الإثيوبي، فقد كان لها تأثيرها الواضح على مصالح بعض القوى السياسية، كما أنها لم تقدم معالجة لجميع الأزمات، التي تشهدها الدولة الإثيوبية، فقد تصاعدت في عهده التوترات بين القوميات العرقية في البلاد، التي تضم أكثر من 90 مجموعة عرقية. ونتج عن هذه التوترات نزوح ما يقرب من 2.5 مليون شخص؛ بسبب العنف العرقي.
وجاءت المحاولة الانقلابية، التي شهدها إقليم الأمهرة، مؤخراً، والتي أسفرت عن مقتل أربعة مسؤولين؛ من بينهم رئيس أركان الجيش الإثيوبي ورئيس إقليم الأمهرة ومستشار مكتب حكومة الإقليم؛ لتكشف عن التحدي الخطر، الذي يواجه أصغر رئيس في إفريقيا، فقد اصطدمت إصلاحاته الطموحة، بأزمات متجذرة في الواقع الإثيوبي؛ في مقدمتها: أزمة الاندماج الوطني، فعلى مدى عقود حاولت الدولة الإثيوبية إدارة التنوع الإثني، الذي تتميز به، والذي تحول إلى أزمة حقيقية؛ نتيجة استئثار جماعة عرقية واحدة دون غيرها بالسلطة والثروة، ومع نجاح الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية في إطاحة نظام الحكم الماركسي بزعامة هيلا مريام، وتولي زمام السلطة في عام 1991، تبنت الدولة نموذج الفيدرالية الإثنية كاستراتيجية لإدارة التنوع في البلاد، وأقرها دستور البلاد عام 1994؛ حيث هدف هذا النموذج إلى الحد من سيطرة جماعة إثنية واحدة على المفاصل السياسية والاقتصادية للبلاد، وإشراك كافة الجماعات الإثنية في الحكم.
إلا أن تطبيق الفيدرالية الإثنية في الواقع الإثيوبي قد ابتعد كثيراً عن هذه الأهداف، فقد عملت الجبهة الثورية الحاكمة كأسلافها على تمكين جماعة إثنية واحدة؛ هي جماعة التيجري (6% من السكان) دون غيرها من المناصب السياسية والاقتصادية، وقد عبّرت الاحتجاجات التي شهدتها إثيوبيا منذ عام 2015 عن المظالم التي تعانيها القوميات الكبرى في البلاد وتحديداً: الأورومو والأمهرة.
ومع تولي أبي أحمد للسلطة في إبريل/‏نيسان 2018 وفي ظل انتمائه لقومية الأورومو؛ كان من المتوقع أن يعود الاستقرار للبلاد، وتهدأ الاحتجاجات إلا أن هذا لم يحدث؛ بل تصاعدت المواجهات العرقية بين عدد من القوميات في أقاليم أورميا وبنيشانجول - جوموز، وكذلك في ضواحي العاصمة أديس أبابا، ما أسفر عن نزوح أعداد هائلة من السكان من مناطقهم؛ للمحافظة على حياتهم.
ويبدو أن شعب أمهرة قد وجد في تطلعات قائد الانقلاب الأخير الجنرال أسامينو تسيجي بالاستيلاء على السلطة فرصة لاستعادة مكانة الجماعة ودورها السياسي؛ حيث تنظر قوميتا الأمهرة والتيجري إلى تولي أبي أحمد للسلطة؛ بأنه يعد استئثاراً لقومية الأورومو دون غيرها على مفاصل الدولة، وكان الجنرال أسامينو تسيجي يشغل منصب رئيس مكتب السلام والأمن التابع للحكومة الإقليمية، وكان من بين مجموعة من كبار الضباط العسكريين، الذين تم إطلاق سراحهم من السجن في أوائل العام الماضي، بعد أن تم احتجازه لمدة تسع سنوات؛ بتهمة التخطيط لانقلاب. وقد اشتهر بالتعصب العرقي؛ حيث دعا في شريط فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تم بثه خلال هذا الشهر شعب أمهرة إلى تحقيق مزيد من الحكم الذاتي. ونصحهم بتسليح أنفسهم. كما كانت الجنرال تسيجي سيئة مع الحكومة الإقليمية لمقاطعة تيجري؛ حيث تشير الحكومة الإثيوبية إلى أن رئيس الأركان الإثيوبي سيري والجنرال أبيرا قد قُتلا؛ لأنهما ينتميان إلى جماعة تيجري (لأقلية العرقية).
ورداً على المحاولة الانقلابية؛ حث أبي أحمد الإثيوبيين على الاتحاد ضد قوى «الشر»؛ الهادفة إلى تقسيم البلاد. وأكد للجمهور خلال مؤتمر صحفي بثه التلفزيون يوم السبت 22 يونيو/‏حزيران، أن الانقلاب الفاشل «لم يرتكب من قبل أي جماعة عرقية؛ ولكن من قبل أفراد من ذوي الدوافع الضعيفة». ودعا «جميع الإثيوبيين، سوار من المسلحين وغير المسلحين» إلى الوقوف مع الحكومة، وتقديم معلومات؛ «للدفاع عن وحدة البلاد».
وقد عبّرت هذه المحاولة الفاشلة للاستيلاء على السلطة في إقليم أمهرة عن التحديات الخطرة، التي تواجهها الدولة الإثيوبية والتي لم تنجح الإصلاحات التي تبناها أبي أحمد وعمل على تعزيز مكانة إثيوبيا الإقليمية والدولية من خلالها على طمسها أو تجاوزها؛ حيث إنها تعكس الأزمات المتجذرة في الواقع الإثيوبي؛ وأهمها: أزمة الاندماج الوطني، واستمرار المواجهات بين القوميات العرقية في البلاد، ووجود قطاعات كبيرة من الشعب الإثيوبي تعاني الفقر والبطالة وصعوبات مواجهة الجفاف؛ حيث تعرقل هذه الأزمات أي إصلاحات طموحة يتم تنفيذها في الدولة الإثيوبية، وتستمر في تهديد الاستقرار والأمن في هذه الدولة، بما يحد من الاستثمارات الخارجية التي تمثل هدفاً حيوياً للدولة الإثيوبية.
حيث تتطلع الشعوب الإثيوبية إلى اتجاه الرئيس أبي أحمد إلى معالجة نموذج الفيدرالية الإثنية، والذي لم يحد من المشكلات بين القوميات العرقية في ظل استمرار سيطرة قومية واحدة على مفاصل الحكم، وعدم وجود ثقافة تحث على التوافق بين القوميات المختلفة على تقاسم السلطة والثروة في البلاد، بما يحقق الاستقرار في البلاد. وفي هذا الإطار لا بد أن يتجه الرئيس أبي أحمد إلى إعادة هيكلة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية (EPRDF) الحاكمة بما يسمح بمشاركة فاعلة لكافة القوميات في إدارة الحكم في البلاد.
كما ينتظر أن يتجه الرئيس أبي أحمد خلال المرحلة القادمة للعمل على التخفيف من مشكلات الفقر والتهميش والجفاف التي تعانيها قطاعات كبرى من الشعب الإثيوبي، والسماح لكافة القوميات بالمشاركة السياسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"