عادي

«كورونا» وهجرة الأفارقة إلى الصين

02:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
روبرتو كاستيلو *

إذا استمرت الصين في استعمال تقنيات الرقابة الجماعية بعد كوفيد- 19، فقد يستحيل على المهاجرين غير الموثقين البقاء دون تتبُّع.

يزدهر أفارقة الشتات في جنوبي الصين منذ زمن طويل. ولكن كل ذلك قد يتغير بعد الوباء. ففي خضمّ ملاحقة انتشار كوفيد- 19، تستخدم الحكومة الصينية مجموعة متنوعة من التقنيات لمراقبة وتتبّع الأفراد. وهذه قد لا تترك عمّا قريب، مجالاً واسعاً لأنواع الهجرة غير المنظمة، والتنقل والأوضاع المعيشية التي سمحت للعديد من المجتمعات الإفريقية بالعيش، والعمل في الصين حتى الآن.

خلال العقدين الأخيرين، كانت مدينة جوانجزو الجنوبية، عاصمة مقاطعة جوانجدونج، في طليعة الوجود الإفريقي في الصين. وفي كثير من الأحيان، كان الوجود الساحق للأجانب في هذا المركز التجاري، يمتحن قدرة السلطات المحلية على التحكم بسكانها غير الأصليين. وكثيراً ما كان ذلك يؤدي إلى توترات بين الشرطة المحلية والمجتمعات الأجنبية، مثل تلك التي من غرب إفريقيا والتي كثيراً ما كانت تبلّغ عن مضايقة وتمييز.

كما ساهمت في الاحتكاك بين صنّاع السياسات المحليين والإقليميين والوطنيين في الصين. وعلى سبيل المثال، تمنح بكين سنوياً ألوفاً من تصاريح الدخول لمواطنين إفريقيين لأسباب سياسية متنوعة. إلاّ أن السلطات في جوانجدونج، هي التي عليها التعامل مع تأثير هذه القرارات. وإحدى النتائج العملية لهذا الغياب للتماسك، أن جوانجزو شهدت على مدى العقد الماضي زيادة حادّة في عدد الأشخاص الذين تجاوزوا مدة تأشيراتهم.

في عام 2014، خلال انتشار وباء إيبولا في غرب إفريقيا، ذكر المسؤولون في جوانجزو أن 16 ألف إفريقي كانوا يقيمون بصورة غير شرعية في المدينة. وفي الأسبوع الماضي- عندما تمّ إخلاء الأفارقة من منازلهم ومن غرف الفنادق، ومُنعوا من دخول المطاعم وتعرّضوا لأشكال أخرى من التمييز- قالت السلطات المحلية إنه لا يوجد حالياً سوى 4500 مواطن إفريقي في المدينة.

وهذا يوحي بانخفاض حادّ في ستّ سنوات فقط، مع أن هذه الأعداد لا تصف إلاّ المقيمين بصورة شرعية. ولا توجد أرقام مكافئة للمقيمين المتجاوزين لتأشيراتهم، ولكن من المعروف جيداً أن هذه الفئة (ومعظمها من غرب إفريقيا) تشكل نسبة كبيرة من السكان الأفارقة في المدينة. وهؤلاء الأفراد مسؤولون أيضاً عن تنظيم كثير من النشاط التجاري المكثف الذي يحدث بين جوانجزو ومدن مثل أديس أبابا، ومومباسا ولاجوس.

كما في العديد من بقاع العالم، يقوم كثير ممن تجاوزوا مدة إقامتهم في الصين بإخفاء (أو إضاعة) جوازات سفرهم. وإذ يفعلون ذلك، يصبحون غير موثقين «طوعياً» بهدف أن يتعذر تعقُّبهم إذا تم القبض عليهم. وكان هذا مساراً محفوفاً بالمخاطر دائماً، ولكنه بات أكثر خطراً بعد الوباء الذي تتمثل إحدى أكثر استراتيجيات احتواء الفيروس فعالية فيه، في الاختبار الشامل والتتبُّع.

وفي ظل هذه الظروف، صار يُنظر إلى المهاجرين غير الموثقين المقيمين في جوانجزو منذ وقت طويل، بطريقة جديدة. وأصبحت إدارة مجتمع الذين تجاوزوا مدة إقامتهم، تشكل تحدّياً أكبر من ذي قبل، لسلطات المدينة التي تعاني بالفعل. ولا يخشى هؤلاء المسؤولون فقط من الانتشار بين هؤلاء السكان الأجانب، بل من غضب بكين أيضاً إذا حدث ذلك بالفعل.

وإحدى الطرق التي يُرجح أن تلجأ إليها الحكومة الصينية لمعالجة مسألة المهاجرين غير الموثقين، هي من خلال التكنولوجيا. ومن استخدام الروبوتات والطائرات المسيّرة، إلى تقنيات التعرف على الوجه والتطبيقات، تعتمد الصين بشدة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في استجابتها لتفشّي الفيروس.

قد يكون أحد الآثار الدائمة لكوفيد- 19، أنه يبدأ مرحلة جديدة في إقامة بُنية عالمية من التحكم والرقابة. وقد يكون متجاوزو الإقامة الأفارقة، وقطاعات التجارة المزدهرة الذين يُدخلون أنفسهم فيها، الضحايا الأوائل لهذا الوضع الطبيعي الجديد في الصين، حيث تصبح الأشكال التقليدية من السكن غير المنظم مستحيلة.

والزمن كفيل بأن يُخبرنا ما إذا كان كوفيد- 19 يُنذر بنهاية هذه المرحلة من الهجرة العالمية، كما عرفناها منذ أوائل القرن العشرين. ولكنه على الأقل، يُرجَّح أن يدقّ مسماراً آخر في نعش مجتمع الأفارقة المتناقص في جوانجزو.

* أستاذ مساعد في الدراسات الثقافية في جامعة لينجنان في هونج كونج. موقع: أوُل أفريكا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"