إدلب.. حتمية المعركة

04:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

بعد الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا؛ لوقف إطلاق النار في إدلب، وعلى الرغم من محاولات بعض الأطراف الفاعلة على الساحة الداخلية السورية التوصل إلى تسوية للأزمة، وخاصة في تلك المنطقة، التي تعد الملاذ الأخير للمسلحين المتطرفين، ولا سيما من التنظيمات المصنفة عالمياً بالإرهابية، فإن كل المؤشرات تقود إلى أن هذا الاتفاق سيكون هشاً كحال الاتفاقات السابقة له.
يجمع الكثير من المراقبين على أن معركة إدلب شمال غربي سوريا هي معركة حتمية، مهما تم تأجيلها؛ لأسباب جيوسياسية معقدة، يتداخل فيها الظرف المحلي مع الإقليمي والدولي؛ حيث يعتقد أن قرار هذه المعركة، قد يكون مرهوناً بنتائج التفاوض السياسي؛ من أجل إفساح المجال للمقاربات المحلية، التي تحظى بما هو مطلوب من غطاء دولي وشرعي.
فعلى الرغم من الهدنة التي تم التوصل إليها مؤخراً بين روسيا وتركيا، فإن الغارات الجوية لم تتوقف بشكل كامل عن المنطقة، في حين اتهمت موسكو الولايات المتحدة بتشكيل خطر على الهدنة؛ بعد قصف استهدف منطقة «خفض التصعيد» في إدلب، من دون إخبار روسيا بذلك، كما هو متفق بين الجانبين، نافية في الوقت ذاته قيام الطائرات السورية أو الروسية بشن غارات في المنطقة في الآونة الأخيرة.
كما أن الجانب التركي ما زال يراوغ بالنسبة للأوضاع في إدلب، ويسعى إلى المزيد من الوقت؛ لمقايضة إدلب بشمال شرقي سوريا، والضغط على روسيا، وهو ما قد ينسف أي خطة فعلية للوصول إلى حل بعيد عن استعمال القوة في هذه المنطقة؛ حيث التنظيمات الإرهابية، التي شغلتها أنقرة، أو تغاضت عنها في بداية الأزمة السورية، في محاولة لتنفيذ أجنداتها الاستعمارية في سوريا، وتحقيق ما تسميه مصالحها، أو حماية «أمنها القومي».
وبحسب المعطيات القائمة الآن في إدلب، فإن الوضع هناك يبدو مرهوناً بنتائج التفاوض السياسي، فإذا ما كان هنالك تفاهمات مشتركة؛ فهذا سوف يعزز من التوصل لصيغة حل ما، أو لجوء كل طرف من المعادلة المعقدة هناك إلى سياسة كسر العظم. وإذا كانت مؤشرات التصعيد والتهدئة فيما يتعلق بإدلب قد تباينت بشدة خلال الشهر الأخير، ما يعني ترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات؛ فإن المشهد يزداد ضبابية في ظل غياب أيّ مواقف سياسية واضحة، لا سيما من تركيا التي تحاول الاستفادة قدر الإمكان مما يجري في إدلب؛ حيث لم تف بالتزاماتها بسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من المنظمات الإرهابية، فيما تمارس عملية ابتزاز للعالم؛ من خلال أزمة اللاجئين التي تسعى إلى التلويح بها بين الحين والآخر، إضافة إلى استخدامها ورقة المتطرفين بشكل واضح، كما ظهر مؤخراً؛ من خلال سماحها للمئات منهم بالانتقال إلى ليبيا؛ ليمارسوا الدور ذاته الذي مارسوه في سوريا، تحت حجج وذرائع مختلفة، لا سيما بعد فشل الكثير من الرهانات التركية، وتحول المجموعات، المصنّفة دولياً بالإرهابية إلى عبءٍ على أنقرة، ناهيك عن أثر الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش السوري.
ومن هنا يبدو تركيز الأتراك على بدء تنفيذ «المنطقة الآمنة» في شمال شرقي سوريا؛ لمنع قيام كيان كردي في المنطقة؛ من خلال إقامة حاجز بشري من اللاجئين بينها وبين الأكراد، في وقت كررت فيه رفضها الانسحاب من نقاط المراقبة التابعة لها في محافظة إدلب؛ بعد تكثيف الجيش السوري من هجماته على المسلحين المتطرفين.
ويبدو من كل ما تقدم أن معركة إدلب، وحسم قضية الإرهابيين هناك عسكرياً تبدو حتمية، وأن الهدنة الأخيرة أو غيرها، ليست سوى فترات استراحة تسبق الحسم الأخير، لا سيما وأنه لا يمكن تصور أي حل سياسي حقيقي ودائم، مع استمرار الآلاف من المتطرفين والإرهابيين في اتخاذ هذه المنطقة ملاذاً آمناً لهم، وهو أمر يجعل من القضاء عليهم الوسيلة الوحيدة؛ لاستعادة السلام في سوريا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"