شيماء المرزوقي
المجتمعات البشرية المتطورة والمتماسكة والأكثر رقياً على سلم الحضارة، ستجد أول ملمح لأسباب تطورها وتميزها أنها تقوم على التسامح والتعاون والأخلاق، وأنها تنظم العلاقات بين أفرادها على القوانين الواضحة الراسخة. لذا تجدها مجتمعات تزدهر فيها العلوم والمبتكرات والمخترعات.
هناك شواهد كثيرة لمجتمعات عريقة وتاريخها ضارب العمق في الزمن لكنها مشتتة وغير فاعلة في مسيرة الحضارة لأنها مهمومة بعلاج عثراتها الداخلية، تنتشر بين أفرادها القسوة والطبقية والعنصرية، فهي لا تقوى على السير نحو الأمام.
الدرس البليغ والمهم هو الفهم التام أنه لا يوجد مجتمع إنساني على وجه هذه الأرض يستطيع أن يعيش في عزلة وانفراد وفي اللحظة نفسها يحقق التطور والرقي، المجتمعات المنعزلة دائماً متراجعة معرفياً، والشواهد ماثلة ومن الممكن أنه سبق ومرت بنا. دائماً التطور والتقدم في مختلف المجالات، سواء أكانت علمية ومعرفية أو تقنية وتكنولوجية، مقرونان بالتعاون البشري وتقبل الآخر، لذا يقال إن الحضارات تقوم على عمليات انصهار ودمج وتبادل للعلم والمعرفة.
هذه حقيقة ماثلة في عصرنا الحاضر، حقيقة تحدث عنها الكثير من الفلاسفة والمفكرين وعلماء العلوم الاجتماعية، لكن الأهم أنها حقيقة ندركها بفطرتنا وبما مر بنا وبما لاحظناه من خلال الاطلاع على الإرث الإنساني لكل مجتمع ولكل حضارة قامت ونهضت ولتحقيق هذه الغاية في مجتمع متماسك قوي، فإن هناك عدة واجبات وحتميات يجب توفرها، من أهمها سيادة القوانين والعدالة التامة، نشر قيم مثل التسامح والأخلاق، فضلاً عن الشفافية والمصداقية. وعندما تتقلص أو تندر مثل هذه القيم فإن النتيجة ستكون عكسية، وكما قال الكاتب والروائي البريطاني جورج أورويل: «كلما ازداد ابتعاد المجتمع عن الحقيقة ازدادت كراهيته لمن يتحدثون عن الحقيقة».
ويمكن وضع أية فضيلة أخرى غير الحقيقة، مثل التسامح، العدالة، التعليم وجميعها قيم ومبادئ وغايات عظيمة، كلما ابتعد المجتمع عن تطبيقها وعدم الأخذ بها لتكون جزءاً من تفكيره ومسيرته، فإن النتيجة عكسية تماماً. لذا تبقى المبادرات والمشاريع المجتمعية التي تستهدف تنمية القيم والمبادئ وتعزيز الحضور العلمي والمعرفي، مبادرات على درجة عالية من الأهمية، ويجب أن تستمر وتكون متصاعدة وليست محصورة في مناسبة ما أو محددة بوقت معين.
