هل تفعلها السلطة هذه المرة؟

04:15 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

بعد نجاح الحكومة اليمينية في الكيان برئاسة بنيامين نتنياهو، في نيل الدعم الأمريكي الواسع للرواية الصهيونية بشأن القدس والأراضي العربية المحتلة، كثفت سلطات الاحتلال من عمليات تهويد القدس، وطرد سكانها العرب. وبعد أن كانت الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة تتردد في العديد من خطواتها تجاه القدس، وبشأن الاستيطان، صارت بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان وإعلان أن الضفة الغربية «أرض متنازع عليها»، تتباهى بخطوات عنفية ضد الفلسطينيين في محيط القدس وداخلها.
كانت عمليات طرد الفلسطينيين من الخان الأحمر، وقبلها من محيط قلنديا، ومن داخل سلوان، مجرد تمهيد لنقل معركة الطرد حتى إلى مناطق السلطة الفلسطينية، كما جرى في وادي الحمص قرب صور باهر.
ورغم ما واكب هدم مباني وادي الحمّص من مشاعر، فإن الفلسطينيين عموماً، والمقدسيين خصوصاً، يعرفون أنها جزء من مخطط يجري تنفيذه منذ احتلال المدينة المقدسة في العام 1967. وقد بدأت هذه الخطة بهدم حي المغاربة وإنشاء «الحي اليهودي»، وتوسيع باحة حائط البراق، وإقامة العديد من الكنس في محيطها، ثم بالاستيلاء على كل المناطق غير المأهولة بين الأحياء العربية، وبناء مستوطنات فيها. وأتبعت ذلك بالسيطرة على بيوت العرب في البلدة القديمة وبعدها في القرى والأحياء المجاورة كما يجري في سلوان، ثم حفر الأنفاق تحت البلدة القديمة لإثبات تاريخ مزعوم، ولمنع أي تسوية سياسية محتملة.
وكان من ضمن المخطط تهجير أهل القدس، وتهويد المدينة، ورفض وضع مخطط هيكلي لتوسيع الأحياء العربية في المدينة، وحصر المخططات في بناء المستوطنات. وهذا ما قاد إلى اضطرار الفلسطينيين إلى البناء في أراضيهم من دون مخطط هيكلي، وإلى إعلان الصهاينة أن هذه المباني غير مرخصة، وواجبة الهدم. ولاحق الاحتلال سكان القدس الذين عمدوا إلى إنشاء بيوتهم في أطراف المدينة بعد أن هدم الجدار العنصري العازل الكثير من هذه البيوت بحجج أمنية. وأظهرت عملية هدم مئات الوحدات السكنية في حي وادي الحمّص، وطرد سكانها، مقدار تجاهل حكومة نتنياهو ليس للحقوق المدنية الفلسطينية فقط، وإنما أيضاً لاتفاقاتها مع السلطة الفلسطينية. وقد أثارت عمليات الهدم هذه، التي جرت في منطقة تخضع تماماً لإدارة السلطة، غضب السلطة والشارع بعد أن أظهرت مقدار الاستعداد «الإسرائيلي» للتغول على حقوق الشعب الفلسطيني. وهذا ما قاد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى الإعلان عن وقف التعامل بالاتفاقيات المبرمة مع الكيان بعد «إصرار دولة الاحتلال على التنكر لكل هذه الاتفاقيات وما يترتب عنها من التزامات».
وجاء هذا الإعلان بعد اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية، وبعد مشاورات جرت مع عدة دول عربية وصديقة. وكان الرئيس عباس التقى لهذا الغرض مع الملك الأردني عبد الله الثاني، وتشاور مع عدد من القادة العرب. كما أن رئيس الحكومة، محمد اشتية، اجتمع مع السفراء والقناصل المعتمدين لدى السلطة في رام الله ليطلعهم على مضمون الموقف الفلسطيني الذي أساسه أن هدم البيوت في وادي الحمص ألغى تقسيمات المناطق المتفق عليها مع الكيان. وقال للسفراء إن الاتفاقيات مع الكيان «لم تعد موجودة لأن»إسرائيل«لم تعد تحترمها وخرقت بشكل واضح وعلني هذه الاتفاقيات. وهي يومياً تقتحمها وتصادر الأراضي وتتوسع استيطانياً فيها، الأمر الذي يدمر أي فرصة موجودة لإقامة الدولة الفلسطينية».
ومن الوجهة الرسمية، فإن الغضب الفلسطيني شديد الوضوح، والموقف المعلن لا يحتمل التأويل، ومع ذلك فإن تاريخ التصريحات الفلسطينية لا يشهد على تأكيد تنفيذ ما جاء فيها. ومن المهم الإشارة إلى أن القيادة الفلسطينية حين أعلنت هذا الموقف أكدت أنه يترجم قرارات المجلسين الوطني والمركزي بشأن التعامل مع الاتفاقيات المبرمة مع الكيان بعد انتهاكه لها. وقد سبق لهذين المجلسين أن اتخذا قرارات بهذا المعنى منذ سنوات عدة، وهذا يعني أن الأنظار تتجه إلى مشاهد التنفيذ أكثر مما تتجه إلى أصوات الإعلان.
ويمكن القول إن قرار القيادة الفلسطينية بوقف التعامل مع الاتفاقيات الموقعة مع الكيان وجد تأييداً واسعاً في الشارع، وفي أوساط الفصائل الفلسطينية. وتقريباً أيدت كل الفصائل هذه القرارات، وأعلنت أنها تنتظر الترجمة الفعلية لها، خصوصاً وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. واعتبر بعضها أن وقف هذا التنسيق هو المعيار لمدى جدية القرار. وأعلن المجلس الوطني الفلسطيني أن قرار وقف العمل بالاتفاقيات مع الاحتلال «يعني طي صفحة المرحلة الانتقالية التي بدأت عام 1993 وبداية مرحلة جديدة من الصمود والمواجهة مع الاحتلال»الإسرائيلي«تتطلب إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية».
ومن الطبيعي الإشارة إلى أن الفلسطيني لا يلعب وحيداً في فراغ، وأن هناك عوامل ضاغطة ومؤثرة، منها الموقف العربي الرسمي، والموقف الدولي، وأيضاً الموقف «الإسرائيلي». ورغم التأييد العربي العلني للموقف الفلسطيني إلا أن السلطة عجزت حتى الآن عن تأمين الدعم العربي الفعلي لها في مسألة توفير شبكة الأمان المالية لها في صراعها مع الاحتلال على أموال المقاصة. كما أنها عجزت عن توفير الدعم العربي الكامل لها في كل ما يتعلق بالخطوات الأمريكية الممهدة لصفقة القرن.
وعلى الصعيد الدولي، فإن الكثير من الدول الإسلامية والصديقة تناصر الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية، ولكن كل قراراتها تصطدم بالموقف الأمريكي. وهذا ما جرى مثلاً عندما توجهت السلطة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن هدم البيوت في وادي الحمّص، ووجدت العرقلة من الإدارة الأمريكية. وخلافاً لمواقف الإدارات الأمريكية السابقة فإن إدارة ترامب لا تكتفي بمحاباة الكيان، وإنما تحثه على خطوات عقابية ضد السلطة. ولا ريب في أن تصريحات المبعوث الأمريكي، جيسون جرينبلات، المتكررة ضد الفلسطينيين، واعتباره أن الكيان «ضحية»، تشهد على المدى الذي وصل إليه الموقف الأمريكي. بل إن رد الفعل الأمريكي على قرار السلطة وقف التعامل مع الاتفاقيات كان أقرب إلى اللامبالاة.
وكان رد فعل الكيان أشد تجاهلاً من أي وقت مضى. فقد تجنبت حكومة نتنياهو الرد على القرار الفلسطيني علناً، لكنها تركت بعض الساسة والمعلقين يعبرون عما يجول في خاطرها. وهكذا قال وزير الاقتصاد والصناعة، إيلي كوهين، إن الرئيس عباس أصلاً لم يكن يلتزم بالاتفاقيات التي أعلن وقف التعامل بها، وشدد على أن الفلسطينيين هم «من سيدفعون الثمن». ولاحظ معلقون أن السلطة اكتفت حتى الآن بموقف إعلامي، وأن تنفيذ هذا القرار سيتم بعد تشكيل لجنة فلسطينية خاصة لبحث آليات التنفيذ. وأشار هؤلاء إلى احتمال ألا يختلف الوضع هذه المرة عن المرات السابقة بفعل ما يملكه الكيان من ضواغط.
عموماً، أخشى ما يخشاه الاحتلال هو اضطراره لمواجهة الشعب الفلسطيني في الشوارع، وهو ما يمكن أن يحدث إذا ما عادت الوحدة الوطنية إلى المشهد، وانتهى الانقسام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"