بكين تسعى للتميز عن واشنطن بصفقة تاريخية مع أوروبا

22:14 مساء
قراءة 3 دقائق
فريدريك كيمبي

فريدريك كيمبي *

فاجأ المفاوضون الصينيون نظراءهم في الاتحاد الأوروبي بامتيازات الوصول الواسعة إلى الأسواق الرئيسية، بعد أشهر طويلة من التعنت، قد تسمح للطرفين بالتوصل إلى اتفاقية استثمارية شاملة وتاريخية بحلول نهاية العام.

وعلى الرغم من أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي لم يكشفوا بعد عن التفاصيل، فقد قال دبلوماسي كبير في الكتلة، إن الاتفاقية تتجاوز أي شيء قدمته بكين لأي شريك أجنبي سابقاً، في ما يتعلق بمستوى الوصول إلى السوق الصيني والضمانات القانونية وغيرها.

إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي ليسوا ساذجين بشأن التوقيت التاريخي للصفقة أو أهميتها السياسية؛ إذ يأتي ذلك بعد فترة وجيزة من انتخاب الأمريكيين، جو بايدن، في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، بعد حملة تعهّد خلالها بحشد الحلفاء في أوروبا وآسيا لمواجهة الممارسات التجارية غير العادلة للصين.

في بروكسل، جاء اندفاع بكين لإنهاء اتفاقية الاستثمار في أعقاب اقتراح المفوضية الأوروبية في 2 ديسمبر/كانون الأول، إلى الرئيس المنتخب بايدن، من أجل اعتماد «أجندة جديدة عبر الأطلسي للتغيير العالمي»، لا تقل عن طموحها في الجمع بين أوروبا والولايات المتحدة كتحالف عالمي قائم على القيم والتاريخ المشترك.

وقال مسؤولو الاتحاد الأوروبي الذين تواصلت معهم يوم الجمعة، إنهم محتارون حقاً بين فرصة إنهاء واحدة من أفضل اتفاقيات الاستثمار المعروضة على الإطلاق مع الصين، وبين الرغبة في اغتنام الأيام الأولى لإدارة بايدن من أجل تحسين العلاقات مع واشنطن بشكل كبير.

إذا أبرم الاتحاد الأوروبي الصفقة مع الصين، فمن المرجح أن يجادلوا فريق بايدن بأن التنازلات التي حصلوا عليها من بكين يمكن أن تنطبق أيضاً على أي اتفاقيات أمريكية مستقبلية مع الصين. ومع ذلك، فإن الرسالة الأساسية المبطنة التي وجهها الرئيس بينج، إلى الرئيس المنتخب بايدن، مقتبسة من الأغنية الشهيرة لفرقة «رولينج ستونز» عام 1974 التي تقول: «الوقت لا ينتظر أحداً».

لا يرغب الرئيس الصيني في الضغط على زر الإيقاف المؤقت لمنح الرئيس بايدن الوقت والمساحة لتجميع فريقه في الصين، والتواصل مع الحلفاء، وتأطير استراتيجيته. لن يفعل ذلك في ما يتعلق بالتجارة والاستثمار، ولا في جهوده لقمع المعارضة السياسية في الداخل. إنه يتحرك بسرعة لاكتساب أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي في تطوير التقنيات الرئيسية، وخاصة أشباه الموصلات. وسيبتعد عن أي جهود من شأنها أن تعرقل طموحه في توحيد تايوان مع البر الرئيسي خلال قيادته.

من الواضح أن الرئيس شي جين بينج، يعتبر عام 2021  الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني  أهم عام ربما منذ وصوله إلى السلطة في عام 2013. ويعتبر العقد المقبل أيضاً حاسماً للغاية.

لا شيء يمكن أن يجعل طموحات الرئيس شي، الشخصية، أكثر وضوحاً من الجلسة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الصينية التي اختتمت في 29 أكتوبر، قبل خمسة أيام فقط من الانتخابات الأمريكية.

قال كيفين رود، رئيس الوزراء الأسترالي السابق، في خطاب تجب قراءته بصفته رئيس معهد سياسة مجتمع آسيا ASPI: «بالحكم على نتائج الجلسة الكاملة، فإن طموح شي السياسي للبقاء في السلطة لمدة 15 عاماً القادمة يبدو آمناً بشكل متزايد». يرى رود أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو «عقد النجاح أو الفشل في مستقبل القوة الصينية الأمريكية».

اندفاع الرئيس شي جين بينج لإبرام صفقة استثمارية مع الاتحاد الأوروبي هو مجرد واحد من بين العديد من العناصر في نهجه الوقائي المتطور تجاه الولايات المتحدة بشكل عام، والرئيس المنتخب جو بايدن بشكل خاص. وهو يأمل تحفيز إدارة بايدن على التفاوض بشكل أكثر تعاوناً على اتفاقيات مماثلة مع بكين، خصوصاً أن هدف الصين المنشود منذ فترة طويلة، وقبل تدهور العلاقات خلال إدارة ترامب، هو تحقيق ما يسمى ب«معاهدة الاستثمار الثنائية» مع الولايات المتحدة، على غرار ما يتم التفاوض عليه الآن مع الاتحاد الأوروبي.

لا يستفيد الرئيس الصيني فقط من عوامل الجذب التجارية طويلة الأمد لما يقرب من 1.4 مليار مستهلك في بلاده؛ بل يستفيد أيضاً من نجاح بلاده الكبير في التعامل والسيطرة على فيروس كورونا، وهذا بدوره سيسمح للصين بأن تكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي يحقق نمواً لهذا العام، بنسبة تتراوح بين 1.5% و2%، مع توقعات بنمو «مزدوج الرقم» العام المقبل.

وعلى الرغم من تصميمه على تنشيط العلاقات مع الحلفاء، أعلن الرئيس المنتخب بايدن، أن الاتفاقيات التجارية لن تكون ذات أولوية رئيسية.

مهما كانت المشاكل التي قد يواجهها الرئيس الصيني، فإنه يخرج من عام 2020 أقوى مما توقعه أي شخص عندما تفشى فيروس كورونا في ووهان أواخر العام الماضي. ومع اقتراب العام الافتتاحي الأول للرئيس المنتخب بايدن، قد تكون تصرفات الرئيس شي جين بينج، هي التي تستحق المتابعة أكثر.

* رئيس مركز «أتلانتك كاونسل» للأبحاث

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"