الخروج من الحلقة المفرغـــة للهشاشـــة وانعــدام الأمــن المائــي

22:29 مساء
قراءة 4 دقائق
1

جنيفر سارة *

فرانك بوسكيه **

تشير الإحصائيات إلى أن هناك نحو 2.2 مليار شخص حول العالم يعانون نقص إمدادات مياه الشرب النظيفة، ولا يحصل 4.2 مليارات على خدمات الصرف الصحي، ولا تتوافر المرافق الأساسية اللازمة لغسل اليدين لنحو 3 مليارات شخص. وتشعر الفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً ممن يعيشون في أوضاع هشة ومتأثرة بالصراعات بعواقب عدم توافر الخدمات الأساسية أكثر من غيرها، نظراً لأن العديد من البلدان الأكثر هشاشة هي نفسها تلك التي تعاني نقصاً شديداً في تلك الخدمات.

إن التحديات في البيئات الهشة كثيرة؛ فغياب الأمن المادي يجعل من الصعب بشكل خاص تقديم خدمات المياه للسكان المتضررين؛ كما يؤدي نقص فرص سبل الحصول الآمن على المياه النظيفة إلى تعريض السكان للإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا بصورة أكبر، علاوة على أنه يزيد حالياً من صعوبة السيطرة على تفشي فيروس كورونا واحتوائه. وفي البلدان التي تعاني صراعات طويلة الأمد، يتعرض الأطفال دون سن الخامسة، وبأكثر من 20 ضعفاً، للوفاة من أمراض الإسهال المرتبطة بالمياه والصرف الصحي غير المأمون مقارنة بالعنف أثناء الصراعات. 

وعلى الصعيد العالمي، هناك نحو 79.5 مليون نازح قسرياً من اللاجئين والنازحين داخلياً وطالبي اللجوء الذين فروا من ديارهم هرباً من أعمال العنف والصراع والاضطهاد. وغالباً ما يعاني النازحون الذين يعيشون في المخيمات أو المجتمعات المحلية المضيفة من أجل الحصول على إمدادات المياه الأساسية وخدمات الصرف الصحي، كما يشكلون ضغوطاً مفاجئة وكبيرة على أنظمة تقديم الخدمات والمرافق وأيضاً على الموارد المائية في المجتمعات المحلية المضيفة.

يمثل نقص سبل الحصول على إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي جانباً واحداً فقط من جوانب انعدام الأمن المائي. أما الجوانب الأخرى فتتمثل في كثرة المياه أو قلتها عن الحد أو في تلوثها لدرجة لا تسمح بالاستفادة منها أو استخدامها. ويمكن أن تتسبب كل هذه الجوانب مجتمعة في اضطرابات شديدة للأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية فضلاً عن تفاقم أوضاع هشاشتها. وكثيراً ما يؤثر انعدام الأمن المائي في السكان، ولذلك فمن الممكن أن يصبح عاملاً من عوامل مُضاعفة المخاطر بحيث يدفع إلى تفاقم المآسي القائمة وخلق مخاطر جديدة وتعميق مظاهر التفاوت وعدم المساواة. وهذا بدوره يسهم في زعزعة البيئات الهشة بالفعل، مما يضاعف من التحديات التي تشكلها إدارة المياه وإطالة أمد الحلقة المفرغة التي يشكلها انعدام الأمن المائي والهشاشة.

ولا تؤدي ندرة المياه في حد ذاتها في الغالب إلى توترات ولكن طريقة إدارتها - من حيث عدم الكفاءة وسوء الإدارة في استخدامها- وعدم التكافؤ في التوزيع، وتقادم البنية التحتية، والأطر القانونية والسياسية والاقتصادية غير الملائمة، كلها تؤدي إلى تفاقم التوترات. إن تعزيز الأمن المائي – من حيث توفير خدمات المياه وحماية السكان من الكوارث المرتبطة بالمياه والحفاظ على المياه السطحية والجوفية والعابرة للحدود-، يمكن أن يساعد البلدان في أن تصبح أكثر قدرة على الصمود والحيلولة دون الانزلاق أكثر وأكثر إلى أتون الهشاشة.

وقد ارتفعت التمويلات المقدمة من البنك الدولي لمشاريع المياه في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراعات إلى 3.5 مليار دولار في عام 2020، مع 4 مليارات إضافية قدمها البنك لمشاريع أخرى متعددة القطاعات، حيث تكمل المياه الاستثمارات في الزراعة والطاقة وإدارة البيئة والتعليم والتنمية الحضرية والصحة في إطار حزمة استجابة البنك الدولي لجائحة كورونا.

يعالج مشروع توفير إمدادات المياه لتعزيز الإنتاجية الزراعية والرعوية والقدرة على الصمود مخاطر الصراعات عن طريق ضخ استثمارات صغيرة لامركزية في مرافق المياه وتوفير الموارد للاستخدام الأكثر استدامة للموارد الطبيعية، مما يساعد على تحسين توافر المياه لفترات زمنية أطول. وسيساعد هذا في الحد من النزوح المرتبط بالمياه وتحييد أسباب النزاعات القائمة على الموارد.

ويمكن أن تتسبب ندرة المياه في نشوب الصراعات وخاصة في المناطق التي يتم فيها تقاسم الموارد المائية أو العابرة للحدود. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تشكّل الموارد المائية العابرة للحدود نحو 60% من مواردها من المياه السطحية، مما يبرز أهمية الإدارة التعاونية لموارد المياه المشتركة. وفي البيئات التي تعاني الهشاشة وتلك التي لها تاريخ من التوترات حول المياه العابرة للحدود، يمكن أن يساعد الاستثمار في الإدارة التعاونية للمياه العابرة للحدود في تخفيف حدة تلك التوترات وتعزيز الاستقرار وتوفير المرونة في مواجهة الصدمات المرتبطة بالمياه.

ويُعد منع الصراعات والهشاشة والتخفيف من حدتها، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأكثر احتياجاً، محوراً رئيسياً لأول استراتيجية لمجموعة البنك الدولي للتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف التي أطلقها في وقت سابق من هذا العام، والتي تحدد نهج المؤسسة الإنمائي في التعامل مع أوضاع الهشاشة.

ولإدراكنا أن ما يصل إلى ثلثي الأشخاص الذين يعانون فقراً مدقعاً في العالم يمكن أن يعيشوا في مثل هذه البيئات الهشة بحلول عام 2030، فقد تم دعم هذه الاستراتيجية بمخصصات تمويلية قدرها 25 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة من المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق البنك الدولي لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، فضلاً عن دعم البلدان متوسطة الدخل المتأثرة بالهشاشة والصراع والعنف. وسيظل توفير خدمات المياه وحماية السكان من الكوارث المرتبطة بالمياه والحفاظ على المياه السطحية والجوفية والعابرة للحدود من الأولويات الحيوية حيث يوسع البنك الدولي من دائرة استثماراته في بعض أكثر البيئات صعوبة وتحدياً.

* مدير الممارسة العالمية للمياه في البنك الدولي 

** مدير البرامج الإقليمية والشراكات والحلول المتكاملة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"