من يحاسب هؤلاء؟

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

 

أزمة حقيقية يعيشها العالم، عقب إعلان الشركة المالكة لتطبيق «واتس أب»، عن تحديثاتها الجديدة، لشروط وسياسة الخصوصية التي تنظم عمل التطبيق، إذ تسمح بمشاركة بيانات مستخدميه مع «فيسبوك» الذي تملكه أيضاً، واشترطت على الراغبين في الاستمرار، بالموافقة على التحديثات، وتخصيص مساحة للتفاعل مع الإعلانات، وإلا سيغلق التطبيق في 8 فبراير.
مشاركة البيانات مع «فيسبوك»، لا تعني أنها ستكون منشورة ومتاحة لكل من «هب ودب» على الإنترنت، بل موجودة على خادم الشركة المالكة للتطبيق فقط، ولكن ما الذي يجعلنا نثق بقدراتها على حماية بيانات مستخدميها؟ لاسيما أن صدى واقعة تسريب بيانات 50 مليون عميل على «فيسبوك» منذ سنوات، مازال يصدح في المجتمعات، والتاريخ شاهد عيان على وقائع أخرى كثيرة.
هناك مليارا مستخدم ل«واتس أب» في العالم، فلك أن تتخيل حجم البيانات التي ستجمعها الشركة عن مستخدميها، ومدى قدراتها على توظيفها، والاستفادة منها، بعد أن تعرفت إلى رغباتك واهتماماتك، وتطلعت على رسائلك وصورك وتابعت مكالماتك، فما نراه نموذج حيّ لتحديات عصر البيانات الضخمة.
نعلم أن الشركة ليست مؤسسة خيرية، وما يحدث محاولة صريحة منها، للاستفادة من بيانات عملائها، فالموجودة على «فيسبوك»، وغيره، يسهم في دورة رأس مالها، وجني الأرباح من الإعلانات التي توافق اهتماماتكم التي يتم تحليلها بدقة، ولكن يبقى انتهاك الخصوصية جريمة، والمتاجرة بها جريمة أيضاً، وهنا تُسأل الحكومات عن دورها في التصدي لفوضى شركات التطبيقات وسياساتها.
الأسباب وراء التحديثات «مبهمة وغير معلنة»، والإصرار على العمل بالسياسة الجديدة بالشكل المطروح، يولد مخاوف ويدعو إلى القلق في المجتمعات، التي عدّته انتهاكاً صريحاً للخصوصية، ومولد نوع جديد من التجارة، يركز على جمع أكبر قدر من بيانات المستخدمين، ولا ضمان لحماية بياناتك وخصوصياتك.
الجميع في تلك الإشكالية، مخيرون وليس مجبرين، فالاستمرار يعني تقديم كامل بياناتك وخصوصياتك ورسائلك ومكالماتك للشركة بلا نقاش، والانسحاب بهدوء والبحث عن بدائل، حق مشروع ومكفول للجميع، ويبقى السؤال: من يحاسب هؤلاء؟
الإمارات وضعت قوانين، واستحدثت تشريعات تعاقب كل من ينتهك خصوصية الآخرين، أو يعبث بها، حفاظاً على الاستقرار والطمأنينة في المجتمع بفئاته، ولكن المجتمعات بحاجة إلى تحالف عالمي، وقوانين تكبح تجاوزات الشركات، التي تستغل إقبال الشعوب على تطبيقاتها، فالتكنولوجيا وجدت لإسعاد الناس، وليس لمشاركة خصوصياتهم.
وإلى أن تصل الحكومات إلى تشريعات موحدة، علينا عدم الوثوق المطلق بتلك التطبيقات، وبدائلها، والامتناع عن مشاركة أية وثائق رسمية أو بيانات تعريفية خاصة، والتحلي بالوعي، وثقافة المحافظة على الخصوصية، فهواتفنا تحمل الكثير عن أسرار حياتنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"