فلسطين.. قضية العصر

03:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحاب

نعيش في هذه الأوقات الصعبة مواجهة عصبية بين حالتين متناقضتين لقضية فلسطين، بصفتها قضية العصر من جهة، انطلاقاً من وعد بلفور لروتشيلد وحتى يومنا هذا، وصفتها كموضوع أساسي ل«صفقة العصر» بموجب وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جهة ثانية.
هي أولاً قضية العصر في زماننا، لأنها القضية السياسية الوحيدة التي ولدت في ما بين مطلع القرن العشرين (وعد بلفور) ومنتصف القرن العشرين (تأسيس دولة «إسرائيل» على جزء كبير من ارض فلسطين العربية)، ثم راحت تتضخم وتتفاقم يوماً بعد يوم (يونيو 1967)، ويتم ترحيلها مضخمة إلى القرن الجديد، بعد أن شهد القرن المنصرم حلولاً جذرية لكل قضاياه السياسية المعقدة، خاصة قضية التصفية النهائية والكاملة لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وهي قضية شديدة التشابه مع قضية فلسطين، إلى حد التطابق شبه الكامل، مع فظاعة أكبر تميزت بها القضية الفلسطينية، حيث طرد معظم شعبها من وطنه التاريخي، في حين كان يجري التمييز العنصري ضد شعب جنوب إفريقيا وهو على أرض وطنه.
وبرغم تبدل الحقب والمراحل التاريخية المعاصرة، من عصر الحرب الباردة في إطار الأمم المتحدة، إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى استفراد الولايات المتحدة لفترة قصيرة بزعامة مرحلة القطب الدولي الأوحد، فإن قضية فلسطين، بدل أن يتم إيجاد حل جذري ونهائي وعادل لها، كانت تزداد تعقيداً، ويزداد المجتمع الدولي في التفرج على «إسرائيل»، بل وتشجيعها على مضاعفة تعقيدات قضية فلسطين، وحمايتها من أي ضغط مباشر أو غير مباشر، للرضوخ إلى مستلزمات الحل الجذري والعادل للقضية، بما يعيد إلى شعب فلسطين العربي، وطنه وكامل حقوقه الإنسانية.
وظل وضع قضية فلسطين يقبع في هذه الحفرة التاريخية، إلى أن تبوأ سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، فراح منذ أيامه الأولى في الرئاسة يبشر الإنسانية بأنه وجد أخيراً الحل النهائي لهذه القضية المستعصية دولياً، في ما اسماه «صفقة العصر»، أو «صفقة القرن».
وتتميز هذه «الصفقة» بأنها ليست سرية، بل هي في قمة العلنية إلى درجة الوقاحة السياسية الكاملة. وتقول هذه الملامح على لسان الرئيس الأمريكي تارة، وبعض معاونيه وحلفائه تارة أخرى، ما يلي:
1- حل قضية فلسطين حلاً نهائياً، عن طريق تصفيتها تصفية نهائية، وكأنها لم تكن.
2- منح كامل أرض فلسطين العربية إلى «إسرائيل»: ما تم احتلاله في العام 1948 (غرب فلسطين)، وما تم احتلاله في العام 1967 (شرق فلسطين).
3- الاعتراف بدولة «إسرائيل» على كامل تراب فلسطين التاريخي، بصفتها دولة يهودية.
4- وقد تم الإعلان عن كل هذه التفاصيل من خلال إعلان أمريكي أن القدس (كاملة غير مجزأة) عاصمة لهذه الدولة المصطنعة منذ عشرات السنين فقط، على أرض سكنها أهلها العرب منذ آلاف السنين.
لكن ما يريد الرئيس الأمريكي اعتباره حلاً نهائياً للقضية عن طريق تصفيتها، والانحياز فيها انحيازاً كاملاً إلى جانب «إسرائيل»، على حساب كامل حقوق عرب فلسطين، يبدو أن لبقية أعضاء المجتمع الدولي رأياً آخر في هذا الحل.
فمع أن الولايات المتحدة قد ذكرتنا في محافل الأمم المتحدة أخيراً بسلوكها السابق عن العام 1947، بتهديد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للتصويت إلى جانب قرار التقسيم، غير أن النتيجة جاءت هذه المرة معاكسة تماماً لنتائج العام 1947.
ففي مجلس الأمن صوتت 14 دولة (من أصل 15) ضد المشروع الأمريكي، وفي الجمعية العمومية للأمم المتحدة رفضت الأغلبية الكاسحة من الدول (بما في ذلك حلفاء واشنطن) الرضوخ لتهديداتها، وصوتت ضد المشروع الأمريكي كأغلبية كاسحة، ولم يؤيد الموقف الأمريكي في الجمعية العامة سوى تسع دول صغرى لا قيمة لها في الأوزان الدولية.
هل يعني ذلك أن «صفقة العصر» قد طوي أمرها نهائياً؟
الطريق أمامنا ما زال طويلاً، لكن ما تم التأكد منه أن قضية فلسطين مستعصية على الحل عن طريق التصفية النهائية، وإن كان الطريق ما زال أمامها طويلاً للوصول إلى الحل العادل النهائي، الذي لن تبدأ ملامحه بالظهور إلا بعودة الروح إلى النهضة العربية المعاصرة، تأسيساً على التمسك الشجاع لشعب فلسطين بكامل حقوقه التاريخية في وجه كل أنواع المؤامرات الدولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"