العنصرية تبدأ من الفكر

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يحتفل العالم في 21 مارس من كل عام باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، وسوف تحتفل الأمم المتحدة هذا العام بهذه المناسبة من خلال إشراك الجمهور في الاحتفالية عبر وسم خاص يهدف إلى تعزيز المساواة. وتكتسب احتفالية هذا العام أهمية خاصة، ففي مايو (أيار) الماضي قُتل الأمريكي جورج فلويد بطريقة مزعجة، وقبلها ارتكب الأسترالي برنتون تارانت مذبحة راح ضحيتها 51 شخصاً خلال الصلاة في مسجدين بنيوزيلندا، فضلاً عن حوادث هنا وهناك، أي أن البشر بعد كل هذه القرون من التنوير ونشر ثقافة التسامح، لا يزالون يعانون من مرض العنصرية.

 كيف نناهض العنصرية؟ سؤال مطروح ومكرر، وهناك العشرات من الأطروحات والرؤى التي بحثت في أسبابها، وطرائق علاجها الاجتماعية والقانونية، ولكن الملاحظ أن محللي تلك الظاهرة يركزون أولوياتهم على رجل الشارع البسيط، بمعنى أن دراسات العنصرية غالباً ما تخلص إلى نتائج تتعلق بالناس العاديين، فهؤلاء لظروف ما إعلامية وتعليمية تربوية، يميلون إلى التطرف تجاه الآخرين، وعدم القدرة على قبولهم أو التعايش معهم، وتتطور الأمور في بعض الحالات لتصل إلى العنف، ولكن نادراً ما يتطرق هؤلاء المحللون إلى الفكر الكامن خلف العنصرية. صحيح هناك الكثير من الأطروحات العنصرية المعروفة والواضحة، ولكن الأكثر خطورة تلك الأفكار الخفية التي ربما نرددها يومياً ببراءة لكنها محملة في العمق بشحنة عنصرية فجة.

 منذ سنوات لم يكن هناك من حديث على الساحة الفكرية العربية إلا مناقشة فكرة الآخر، وذلك في إطار الحوار الأبدي الذي يتعلق بعلاقتنا بالحضارة الغربية، كيف نتعامل معها؟ وماذا نأخذ أو نرفض منها؟ لكننا لم نتوقف طويلاً لنتأمل فكرة الآخر نفسها، التي يتبعها بالضرورة الحديث عن الأنا. وبرغم أن الحضارة العربية الإسلامية لم تعرف «الآخر»، فعلى المستوى التاريخي لم تكن مهجوسة دائماً بعدو، كما حدث مع الغرب منذ اليونان حتى الآن. وعلى المستوى الاجتماعي لم تشهد إقصاءً لأقليات أو إبادة كاملة لطوائف، ومرة ثانية برغم أن الكثير من مثقفينا يدركون أن الآخر صناعة غربية بامتياز، إلا أننا تشربنا مفهوم «الآخر» مصحوبا ب«الأنا»، ورددنا المصطلحين كل يوم في إعلامنا و ندواتنا ومؤتمراتنا، وتوطنت في أذهاننا أفكار من قبيل العقل العربي والروح العربية.. إلخ، وذلك من باب الاعتزاز بثقافة الذات، ولم يتوقف أحدهم ليميز بوضوح الفارق الكبير بين مفردة الثقافة ومفردتي العقل والروح.

 نحن ننسى دائماً أن الروح قبس من الله، لا تمييز فيها بين إنسان وآخر، ولا تقتصر على دين أو شعب أو حضارة، ونتجاهل كثيراً درس التنوير، فالعقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر، ويسقط من ذاكرتنا المثقوبة أن الرجل الأبيض بدأ هيمنته على العالم انطلاقاً من إيمانه بأن الشعوب الأخرى أدنى عقلاً، وربما لا تتمتع بأي روح، ونتيجة لهذا بدأت حقبة طويلة من الاستعمار العسكري، رافقتها هيمنة معرفية متمثلة في الاستشراق والإنثربولوجيا، أي أن العنصرية تبدأ من فكر النخبة أولاً وقبل أي شيء آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"