حراك حيوي “منضبط” بانتظار الانتخابات

05:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

تميز الحراك الشعبي في الأردن بأنه واكب موجة الربيع العربي، ولكنه لم يستنسخ نماذجها، بل سعى إلى تقديم نموذجه الخاص ابتداء من تحديد سقف المطالب المرفوعة بإصلاح النظام، وصولاً إلى ملكية دستورية، وهو هدف غير متفق عليه بين مكونات الحراك، مروراً بالتركيز على الفساد ووجوب مكافحته بصورة ملموسة، وليس انتهاء بأهمية الإصلاح الذي يتجاوز تبديل الوجوه إلى تغيير السياسات . وقد واظب هذا الحراك على الالتزام بأدائه السلمي بصورة لا لبس فيها، مع حسن التعامل مع القوى المولجة بحفظ الأمن، وقد ردّت هذه القوى على التحية بمثلها باستثناء بعض الحالات التي تم تطويقها في حينها ولقيت إدانات واسعة، ونجم عنها وفاة شخص .

في واقع الأمر، فإن الاحتجاجات تأخذ طابعاً دورياً، وليس نمط حياة دائماً وأسلوباً يومياً، فهي تتم في الأغلب الأعم ظهيرة الجمعة، يوم العطلة الرسمية، وتجري بعد صلاة ظهر ذلك اليوم، وتدوم لنحو ساعتين، لكنها تحافظ على استمراريتها أسبوعاً تلو أسبوع . وقد ترافقت المسيرات مع موجة اعتصامات وإضرابات لقطاعات مهنية، لم يسبق أن شهد الأردن هذا المدى من كثافتها، ومع أنها تتم في مرافق حكومية، إلا أن بعضها شمل مؤسسات في القطاع الخاص، ورفع المحتجون فيها مطالب خاصة تتعلق بوجوب تحسين ظروف العمل في قطاعاتهم . وحين ساعة كتابة هذا المقال كان قطاع معلمي المدارس الحكومية يقوم بأوسع إضراب في تاريخ هذا القطاع، وقد بلغت نسبة المعلمين المضربين 90 في المئة في مدارس الذكور و60 في المئة في مدارس الإناث . والمطلب الأساس هو إحياء نقابة المعلمين، وهو مطلب يجد قبولاً لدى الجهات الرسمية بعد طول تمنّع، إلا أن المضربين يرون أن هناك تلكؤاً في تطبيق هذا التوجه .

والبادي حتى الآن أن البلد قد تكيّف مع هذه الموجة، ولكن من دون الوقوع في الرتابة، أو مجرد الحفاظ على المظهر بغير تحقيق نتائج . فقد سارعت السلطات إلى تشكيل هيئة حوار وطني، نجحت في العمل خلال نحو عشرة أسابيع من عملها في وضع مخرجات لها، من أهمها رسم ملامح لقانون جديد للانتخاب وللأحزاب وإنشاء محكمة دستورية . لكن هذه التوصيات تحتاج إلى تعديلات دستورية في البرلمان، فيما مجلس النواب في هيئته الحالية هو محل نقمة من المحتجين . وهو ما يحمل على الاعتقاد أن البوابة نحو إصلاح شامل تتمثل في انتخابات جديدة ضمن قانون انتخابي متطور يحظى بأكبر قدر من التوافق الشعبي لإنضاج مخرجات الإصلاح عبر تعديلات دستورية .

بموازاة ذلك فقد أبدت السلطات حساسية عالية تجاه هذا الحراك، وعملت على التكيف مع مطالب رئيسة له، وخاصة ما يتعلق بمكافحة الفساد، حتى إن المدير الجديد للمخابرات فيصل الشوبكي تلقى رسالة ملكية لدى تعيينه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مفادها العمل على أن يقوم هذا الجهاز بمواكبة المطالب الإصلاحية وحصر دوره داخل المربع الأمني . ولطالما اشتكى سياسيون من تدخل الجهاز الأمني في المشهد السياسي، وفي بعض الحالات الضغط على السلطة التنفيذية .

من الواضح أن موجة الحراك ستحافظ على حجمها ومستواها المنضبط خلال الشهور القليلة المقبلة، مع انتظار أن يندمج هذا الحراك الذي لا يقتصر على العاصمة عمّان بل يشمل مناطق في الجنوب والشمال، مع حملات انتخابية لبرلمان جديد، وكان الملك عبدالله الثاني قد تعهد بإجراء انتخابات نيابية وبلدية (محلية) قبل نهاية العام الجاري . ويرجح معنيون وقريبون من دوائر صنع القرار، أن يتم حل مجلس النواب الحالي قبل نهاية فصل الربيع، على أن تجري الانتخابات في الخريف، وبالطبع وفق قانون انتخابي جديد يتيح اختيار نواب ذوي صفة تمثيلية وسياسية، والانطلاق من ذلك إلى تشكيل حكومة جديدة تعكس الوزن التمثيلي للتيارات السياسية المنتخبة، وهو أحد الأهداف الرئيسة للحراك الشعبي، بحيث يشارك الرأي العام عملياً في اختيار وتشكيل الحكومات، بدلاً من التغيير المتواتر لوجوه رؤساء الحكومات من دون تغيير يذكر في السياسات العامة .

تفيد خبرة العام 2011 أن الحراك الشعبي يتفاعل مع موجة الربيع العربي في اتجاهين مختلفين، فمن ناحية فإن هذا الحراك يتواصل على إيقاع الموجة المتواصلة للربيع العربي هنا وهناك، ويتلقى منها شحناً معنوياً وتغذية سياسية، ومن ناحية ثانية فإن التطورات الدامية في ليبيا وسوريا واليمن، أشاعت قناعات بأن الوضع في الأردن بما له وما عليه، أفضل بما لا يقاس من أوضاع تلك البلدان الشقيقة، وأن الحراك لا بد أن يأخذ ذلك في الاعتبار .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"