المرأة العربية وثورة لم تكتمل

04:28 صباحا
قراءة 4 دقائق

على الرغم من مشاركة النساء بقوة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط في احتجاجات الربيع العربي التي بدأت في أواخر العام ،2010 فإنهن مازلن يعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية، حتى في البلدان التي تمكنت الانتفاضات الشعبية من إطاحة الأنظمة الاستبدادية . بل إن الحكومات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة الآن في العديد من البلدان تبدو أكثر عزماً وتصميماً من الطغاة الذين حلت محلهم على الإبقاء على المرأة بعيداً من السياسة .

في مقابلات أجريتها مع نساء في المنطقة، أذهلني كم التشاؤم الذي أبدينه في مجمل الأمر، فهن يخشين أن يخسرن حقوقهن، ويرين أن التفكك الاقتصادي من حولهن في كل مكان من شأنه أن يرفع من احتمالات زيادة وتيرة العنف، ويشعرن بأنهن أصبحن عُرضة لمخاطر متزايدة مع تفكك الروابط الاجتماعية . وأكثر من مرة، سمعتهن يعربن عن رأي مفاده أن الأمور كانت أفضل قبل الثورات .

الواقع أن تمثيل النساء في البرلمانات والوزارات الحكومية بعد الربيع العربي كان إما غائباً تماماً وإمّا هزيلاً، ويخشى الناشطون في مجال حقوق المرأة أن تسعى الأحزاب الإسلامية إلى تنفيذ سياسات رجعية تميز بين الناس على أساس الجنس . ففي مصر على سبيل المثال، يزعم حزب الحرية والعدالة الذي يهيمن على البرلمان، أن المرأة من غير الممكن أن تتولى منصب رئيس البلاد . ومن المعروف أن النساء كن ممثلات بقوة في الاحتجاجات التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك في العام ،2011 ولكنهن استبعدن إلى حد كبير من أي دور رسمي يشتمل على اتخاذ قرارات منذ ذلك الوقت .

في المغرب، وبرغم أن الحكومة السابقة كانت تضم ثماني نساء، فإن الحكومة الحالية التي يقودها إسلاميون لا تضم سوى سيدة واحدة . وفي يناير/كانون الثاني، اعتمد البرلمان الذي يهيمن عليه إسلاميون مرسوماً يقضي بخفض سن زواج الفتيات من 18 إلى 16 عاماً، وهي نكسة كبرى، وبرغم الاحتجاجات الشديدة من قِبَل المدافعين عن حقوق المرأة فإن جهودهم ذهبت أدراج الرياح .

كما تلقى تمثيل المرأة في البرلمان ضربة قوية، فقد احتل النساء أقل من 1% من مقاعد البرلمان المصري الحالي؛ في حين كان تمثيلهن في الماضي 12% . وفي ليبيا، خصص مشروع قانون الانتخابات الأولي 10% من المقاعد في الجمعية التأسيسية للنساء، ولكن هذه الحصة ألغيت في وقت لاحق .

وفي تونس، أسفرت انتخابات العام 2011 عن اختيار 49 امرأة للجمعية التأسيسية التي تتألف من 217 مقعداً . ولكن 42 منهن ينتمين إلى عضوية حزب النهضة الذي يعتبر الشريعة الإسلامية مصدر التشريع . ويخشى الناشطون في تونس أن يستغل حزب النهضة الذي يهيمن على الجمعية التأسيسية، وجود النساء في الجمعية لتقييد حقوق المرأة .

وكان اغتيال المعارض التونسي العلماني شكري بلعيد مؤخراً، سبباً في زيادة المخاطر بالنسبة إلى المرأة هناك . فقد كان بلعيد صوتاً يتحدث بالنيابة عن المرأة مطالباً بحقوقها، ومن الواضح أن التهديد بزيادة وتيرة العنف السياسي سوف يركز على هؤلاء الذين يدافعون عن المساواة من أجل التونسيين جميعاً، بمن في ذلك النساء .

من المؤسف أن القوى المحافظة في العالم العربي تنقلب على النساء بشكل متكرر كلما انتشرت الاضطرابات السياسية . ففي اليمن، تدعو السلطات الأقارب الذكور إلى ترويض نسائهم . وفي تونس، أكثر الدول العربية قرباً من الغرب، اعتدي على النساء في الجامعات والمدارس، ويتم إرغامهن على ارتداء الحجاب . حتى إن المرأة التي تعرضت للاغتصاب، كما ذكرت التقارير، بواسطة اثنين من رجال الشرطة في سبتمبر/ أيلول ،2012 اتهمت بارتكاب فعل فاضح في الطريق العام عندما تقدمت بشكواها .

وعلى نحو مماثل، تواجه المرأة المتظاهرة انتقادات أشد من تلك التي يواجهها المحتجون من الرجال . وهؤلاء اللاتي اعتقلن من قِبَل المؤسسة العسكرية أثناء الاحتجاجات ضد مبارك، أخضعن لكشف العذرية كشكل من أشكال الترهيب . وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط، دأبت مليشيات إسلامية على مضايقة واعتقال واغتصاب وتعذيب النساء الناشطات المؤيدات للديمقراطية . وكثيراً ما يستشهد الآن بنموذج الثورة الإسلامية في إيران في العام ،1979 التي فرضت على النساء المواطَنة من الدرجة الثانية، باعتباره تهديداً في الدول العربية التي تحكمها الآن أحزاب إسلامية .

إن هذه البلدان عند مفترق طرق الآن، والواقع أن النساء يشكلن نصف سكان الشرق الأوسط، وأي أمل في التنمية السياسية والاقتصادية يتوقف على وضع هذه الحقيقة في الحسبان . لقد أصدرت منظمات دولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقارير عدة برهنت على العلاقة بين الانحدار الاقتصادي وقمع المرأة . والأمر ببساطة أن الدول العربية لن تنجح ما لم تعمل على إدماج المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية بالكامل .

في الكلمة التي ألقتها لمناسبة قبولها جائزة نوبل للسلام في العام ،2011 أعربت الناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان عن هذه النقطة بوضوح: إن حل قضايا المرأة من غير الممكن أن يتحقق إلا في مجتمع حر وديمقراطي حيث تتحرر طاقات البشر، طاقات كل من النساء والرجال معاً .

يتعين على بلدان الشرق الأوسط أن تبادر إلى حماية وتعزيز حقوق النساء كوسيلة لفرض الأفكار والعادات الديمقراطية . ويتعين عليها أن تؤسس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من القوانين والاتفاقيات الدولية من أجل القضاء على التمييز والعنف على أساس الجنس . إن الأمل في تقدم المرأة هو في الحقيقة أمل في الحياة في مجتمع لائق حيث التنمية من أجل الجميع أمر ممكن .

* أستاذ الدراسات الثقافية والمساواة بين الجنسين في جامعة سيدي محمد بن عبدالله والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

www.project-syndicate.org

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"