الجهد المناسب

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

يعتقد الكثير من رجال الأعمال وأصحاب الشّركات أنّه كلما دفعوا موظفيهم إلى العمل أكثر وبذل جهد أكبر، ازداد هامش الرّبح وارتفعت الإنتاجيّة، لذلك تلاحظ أن غالبية الشّركات والمؤسّسات حول العالم تعتمد نهج ساعات العمل الطّويلة، وتعدّد مهامّ الموظّف الواحد «الموظّف الشّامل»، وتوفير الحدّ الأدنى من أيّام العطل الأسبوعيّة والإجازات السّنويّة.
تلك الاستراتيجيّة وبكل تأكيد لم تعد ناجحة، وهذا ما أثبتته عشرات التّجارب على أرض الواقع، بل إنّ المؤسّسات الّتي تراعي راحة موظفيها وتتيح لهم المزيد من أيّام العطل مع عدد ساعات عمل قصيرة، تتربّع على عرش سائر المؤسّسات الأخرى.
ونقصد هنا شركات عملاقة مثل «جوجل» الّتي تعطي، على سبيل المثال، إجازة لمدّة خمسة أشهر للأمّهات الجدد، وتوفّر امتيازات ووسائل راحة متنوّعة لموظفيها مثل صالات الألعاب الرّياضيّة المجّانيّة وحمّامات السّباحة، بالإضافة إلى خدمة تنظيف وكيّ الملابس، وغير ذلك من المميّزات الأخرى الّتي تدفع حوالي 2,5 مليون فرد كل عام لإرسال سيرتهم الذّاتيّة إلى عملاق التكنولوجيا «جوجل»، أملاً في نيل فرصة العمل داخل تلك الشّركة الّتي بلغت إيراداتها 161 مليار دولار خلال عام 2019م، بصافي ربح يعادل 34 مليار دولار.
هل كان ذلك محض مصادفة؟ بالتأكيد لا، فما كان ل«جوجل» أن تحقّق كلّ هذا الرّبح الضّخم لولا إدارة ذكيّة تعرف كيف توظّف الجهد المناسب في المكان والوقت المناسب، وتتيح للعاملين فيها بيئة حاضنة للمواهب، حيث توفّر لهم كل سبل الراحة ووسائل الإبداع الّتي تفسح المجال أمامهم لابتكار أفكار جديدة وتحقيق إنتاجيّة عالية، حتّى قيل إنّ موظّفي «جوجل» هم أكثر الموظّفين المحظوظين في العالم.
وفي هذا السّياق، يُحكى أنّه في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان، كان هناك رجلٌ أضاع مفتاحاً في مكان ما، فأخذ يبحث عنه ويسأل كل من يقابله إن كان قد رأى المفتاح الضّائع.
ولمّا سأله أحدهم بعد أن أعياه التّعب: هل أضعت المفتاح هنا؟
أجاب قائلاً: لا بل في مكان آخر!
فبادره السّائل باستفسار جديد: ولمَ تبحث عنه هنا؟
قال: لأنّ الضوّء هنا ساطع والرّؤية واضحة.
إذن، فليست الفاعليّة والكفاءة في كميّة الجهد المبذول بغية تحقيق الأهداف المنشودة، لأنّه مهما كان الجهد كبيراً ومنظمّاً، فلن يؤتي ثماره مادام في المكان غير الصّحيح والوقت غير المناسب، وتلك حقيقة يجهلها أو يتجاهلها بعض من الناس ممن يتّسمون بضيق الأفق وقصر النظر، في حين يدركها روّاد الأعمال الأذكياء الّذين يمتازون ببعد النظر والفهم العميق لكيفيّة استثمار الطّاقات البشريّة والماديّة بالشّكل الأمثل، ولذلك يتفوّقون على أقرانهم بنجاحاتهم غير المسبوقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"