تصفية الحسابات

02:11 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

يخوض الكثير من المحللين والمعلقين وأصحاب الرؤى السياسية معاركهم الآن، بل وتوقعاتهم للمقبل انطلاقاً من أرضية «كورونا»، فالليبرالي يلقي بتبعية انتشار الفيروس على ممارسات بعض الأنظمة الشمولية التي يرى أنها مارست تقاليدها المعهودة في التعتيم على ما يحدث في الأرض، واليساري يجدها فرصة مناسبة للحديث عن توحش الرأسمالية العالمية التي لم تترك لبعض البلدان الفقيرة أي فرصة لتستكمل بنيتها التحتية بما يمكنها من مقاومة الجائحة.
يتمنى الليبرالي أن تنتهي الأزمة بمراجعات شاملة تتخذها الشعوب الخاضعة للأنظمة الشمولية، ويحلم اليساري بمستقبل تسوده العدالة بين بني البشر، وينسى الأول أن الكثير من الأنظمة الرأسمالية لم تتحرك بالسرعة الكافية عندما بدأ الوباء في الانتشار، فضلاً عن ظهور خلل واضح في أنظمتها الصحية، وفي توافر المواد الأولية لديها، مثل الكمامات، وهو ما يدعو إلى الاستغراب والدهشة، ويتغافل الثاني عن أن الكثير من البلدان الفقيرة فشلت في التنمية نتيجة لأسباب محلية داخلية تتعلق بسوء الإدارة أو الفساد... إلخ.
لقد دأب اليساري على نقد العولمة، بأسواقها وحركة التجارة غير المسبوقة التي أتاحتها حول العالم ومستويات سفر وتنقل البشر بمعدلات لم يشهدها التاريخ من قبل، ولم يمل النيوليبرالي من التعبير عن سخطه وامتعاضه نتيجة لتدخل البلدان في شؤون المواطنين والأسواق، وتطرح الظروف الحالية العديد من الأسئلة على اليساري تتعلق بذلك الاختبار الذي وضعنا فيه فيروس كورونا، فماذا عن إغلاق البلدان وتوقف حركة الطيران وتخوف البعض من أي اهتزاز في حركة البضائع الدولية؟ وما العمل تجاه فقدان الملايين لوظائفهم؟ وهل من رؤى حقيقية وفعالة وعاجلة لدى اليساري لتأسيس نظام بديل للعولمة، حتى يمكن الاسترشاد به مستقبلاً لو تعرض البشر مرة أخرى لحدث مماثل لكورونا؟ وعلى الجهة الأخرى ما رأي النيوليبرالي في تدخل الدولة الصارم، والذي أدى إلى نتائج ملموسة في الوقاية من كورونا في دولة كالصين؟ وماذا عن بلدان عريقة في الديمقراطية تهاونت قليلاً، ثم وقع الآلاف من مواطنيها ضحايا للوباء؟
هذه مجرد نماذج لوجهات النظر التي يطرحها البعض وبقوة عند الحديث عن أمنياتهم لعالم «ما بعد كورونا»، يدعو هذا أو ذاك إلى التفكير في المقبل ومن ثم التغيير، وهو في الحقيقة يصفي حساباته الفكرية مع الآخرين، ويتمترس بقوة خلف أفكاره، ويتمنى صعود النموذج الذي يؤمن به، وينسى الجميع آلام البشر الفعلية، وأنهم لا يفكرون إلا في كيفية تجاوز الجائحة، وفي عزلتهم يراجعون الأفكار التي لم تنفعهم في شيء مهما كانت براقة وجذابة، وعلى هذا الأساس سيأتي رد فعلهم في المستقبل، بعيداً عن كل تنظيرات من يتنبأ بالغد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"