العودة إلى المشروع النهضوي العربي

05:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

الذين سبّحوا بحمد العولمية الرأسمالية المتوحشة ولم يبقوا كلمة مديح وإعجاب إلا وهالوها على أستاذ قائدة تلك الموجة الصاخبة المجنونة ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، هؤلاء يجب أن يحنوا رؤوسهم خجلاً وأسفاً ويبدأوا بمراجعة النفس. فبعد انتكاسة المد القومي العربي في السبعينات، من القرن الماضي، بحلمه الكبير لتحقيق وحدة أمة العرب ووطنه الكبير، بانحيازه لجماهير الفقراء والمهمشين، بدعوته لبناء تنمية اقتصادية ذاتية مستقلة، برفضه لأية هيمنة سياسية أو اقتصادية أو أمنية من قبل قوى الخارج، استفادت مجموعة من السياسيين الانتهازيين والاقتصاديين الجشعين والكتّاب والإعلاميين المتقلبين ذات اليمين وذات الشمال، انبرى هؤلاء للدفاع عن تلك العولمة ولتبرير وتسويق إيديولوجيتها الليبرالية الجديدة، وفي الوقت نفسه للتشهير بكل ما يشتم منه، أنه قد يكون قومياً، ولذمّ وتجريح وتسخيف كل واحد يمت بصلة للفكر الاشتراكي الديمقراطي.

اليوم، والعالم كله يراجع الكثير من منطلقاته وممارساته، يحتاج هؤلاء العرب، الذين انساقوا بقصد أو بغير قصد وراء تلك المدرسة العولمية المتأمركة، أن يعيدوا النظر في العديد من العناوين التي طرحوها عبر الثلاثين سنة الماضية. أول عنوان طرحوه كان رفضهم التام المحيّر لمشروع التواصل والتوحيد الاقتصادي العربي، وذلك باعتبار أن الانفتاح العولمي في التجارة والتكامل الاقتصادي جعل من فكرة الوحدة الاقتصادية أمراً خارج الواقع والزمن. وبالطبع فإن ذلك الرفض لم يكن إلا مدخلاً لرفض شعار الوحدة العربية في أية صورة ستكون اليوم، وقد تبين أن أكثر الدول التي تضررت جراء الأزمة المالية والانكماش الاقتصادي اللذين يواجههما العالم في الدول التي بنت اقتصادها حسب متطلبات وحاجات الأسواق الخارجية العالمية بدلاً من بناء قاعدة اقتصادية متينة تتمحور حول حاجات مجتمعاتها وشعوبها، فهل كان خطأ طرح فكرة، وخاصة اقتصادية عربية تعتمد مكوناتها على أسواق وحاجات البعض، وتذهب معظم الفوائض العربية في استثمارات داخل الأرض العربية بدلاً من استثمارها في البورصات والمؤسسات المالية والعقارية العولمية؟ فهل كان العرب سيمنون بخسارة المئات من المليارات من عملات العالم الرئيسية كما حدث لهم خلال الشهور القليلة الماضية؟

ثاني عنوان طرحوه كان رفضهم لأي تدخل من قبل الدولة العربية في الشؤون الاقتصادية، فهل بعد ما رأوه تدخلاً كبيراً ومتشعباً من قبل حكومات الدول الرأسمالية لإنقاذ مؤسساتها المالية والاقتصادية، لا يزالون غير مقتنعين بأن دوراً للدولة في تنظيم الكثير من جوانب الحياة المجتمعية يجب أن يكون كبيراً وحاسماً؟ هل كان فكر العدالة الاجتماعية الذي طرحه القوميون في منتصف القرن الماضي إلا نوعاً من تدخل الدولة العربية لحماية الفقراء والمهمشين وللتأكد من عدم وجود شطط في الجبهة الاقتصادية ولتوزيع الثروة المجتمعية توزيعاً عادلاً؟ هل تدخل الحكومات الرأسمالية في هذه الأيام يقصد منه فقط إنقاذ أصحاب رؤوس الأموال أم أنه أيضاً يقصد منه حماية المواطنين، بألف شكل وشكل، وخصوصاً في ما يتعلق بالعمل والسكن والحاجات الحياتية الضرورية؟

ثالث عنوان كان الاستهزاء بشعار حرية الأوطان واستقلالها، فكان أن سمي الغزو البريطاني الأمريكي لبغداد تحريراً، وكان أن اعتبرت المعاهدات التي سمحت بتواجد جيوش قوى الاستعمار في معسكرات وموانئ ومطارات عبر الأرض العربية كلها اتفاقات ندية أمنية، مثلها مثل التواجد الأمريكي في بلدان حلف الناتو، وكان أن طلب البعض من قوى الخارج التدخل في كل صغيرة وكبيرة من الشؤون الداخلية العربية.

هناك عناوين كثيرة أخرى، لكن المطلوب هو أن ينظر الجميع الى النيران المشتعلة في العواصم الرأسمالية الكبرى وإلى الفواجع في كل أرض العرب والمسلمين ويتساءلوا ألم يحن الأوان لمشروع القرن العشرين العربي الوحدوي التحرري التنموي النهضوي ليكون مطلباً أساسياً في التعامل مع العولمة وكل آثارها؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"