مقاومة أوروبية للشعبوية

02:31 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

شكلت التظاهرة التي شارك فيها آلاف الألمان بمدينة هانوفر ضد «النازيين الجدد»، واحداً من المؤشرات على المقاومة الأوروبية المدنية لليمين المتطرف الذي يحاول الهيمنة في أكثر من بلد أوروبي، ولم ينجح. وبعد فترة من الزمن أوهم فيها هذا التيار المتشدد أنه ينمو ويتمدد، تتبين الحقيقة أن أوروبا لا يمكن أن تفرط في قيمها، وتستبدل وسطيتها وانفتاحها بالتطرف والانغلاق.
تعقيباً على مظاهرة هانوفر المنددة بتهديدات الشعبويين لحرية الصحافة، اعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن «النازيين الجدد وصانعي الخوف الذين يحرضون ضد الصحفيين هم الأقلية». وقبل ذلك أعلنت الشرطة أن المظاهرة، التي حملت شعار «التعددية بدلاً من لون واحد»، شارك فيها نحو سبعة آلاف، وجاءت رداً على مسيرة نازية لم يتجاوز عدد المشاركين فيها 110 أشخاص. والفرق الهائل بين الآلاف والعشرات، يؤكد أن الوعي الأوروبي حاضر للمجابهة، وهذا الرفض الساحق، يعكس تمسكاً بمبادئ التعايش والتسامح وقبول الآخر، بقطع النظر عن جنسه وعرقه ولونه. لم تلجأ الدول الأوروبية إلى أدوات القرون الوسطى في مواجهة الشعبويين، بل تركت الأمر للشارع، الذي يصدر أحكاماً لا تقبل النقض. وما حدث في هانوفر وقبلها في باريس ولندن أن حبل اليمين المتطرف قصير جداً، ولا يمكن أن يبلغ عنان السلطة، وتغيير الوجه المتحضر الذي تتسم به أوروبا.
في إيطاليا، التي تقودها حكومة ائتلافية مشكلة من أغلبية شعبوية، بدأ الأمر ينتهي بها إلى أزمة متعددة، وبدأ التراشق العنيف بين أقطابها، وها هو زعيم «رابطة الشمال» ماتيو سالفيني يشن هجوماً حاداً على رئيس الوزراء جوزيبي كونتي ويرميه ب«الخيانة العظمى»، لأنه وافق على آلية الاستقرار الأوروبية الرامية إلى إصلاح منطقة اليورو. ويعيش سالفيني، الذي اعتبرته إحدى الصحف الإيطالية «أسداً من قماش»، أزمة سياسية مع محيطه مع تراكم الانتقادات ضده وضد حزبه، بينما تعيش حليفته «حركة خمس نجوم» الشعبوية أزمة مماثلة، وتقول آخر استطلاعات الرأي: إن شعبيتها تراجعت إلى النصف تقريباً من نحو 32% إبان انتخابات 2018 إلى 18% في الوقت الحالي.
صعود الشعبوية أو تراجعها تتحكم فيه عوامل عدة، بعضها يتعلق بنجاح بعض التجارب في السلطة، فعندما دخل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب البيت الأبيض، سرت في العالم بأسره مخاوف من ظهور نسخ أخرى من ترامب. وبعد أن غرقت النسخة الأصلية في الفشل، وأصبحت تواجه العزل، بدأ الضوء ينحسر عن البقية. ومما يذكر أيضاً أن الشعبوية ازدهرت نسبياً، عندما كان تنظيم «داعش» الإرهابي في أوجه، وتعرضت الدول الأوروبية لهجمات دامية، وكان ذلك سبباً لنمو الخطاب الشعبوي. أما الآن، وبعد زوال معظم الأسباب، فإن النتائج تبدو أكثر عقلانية ووضوحاً من الخطابات الفوضوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"