خارج مناخ العصر

03:46 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

هل يعيش العرب مناخ العصر؟ سؤال تطرحه مشكلات الراهن التي يفكر فيها العالم، حيث يسعى الكثير من المنظرين في بلدان عدة إلى تقديم رؤى تسهم ولو بقدر ضئيل في تجاوز تلك المشكلات، في حالة أشبه بالعصف الذهني تتسم بالتعدد والتكامل في الوقت نفسه.
الذكاء الاصطناعي، الغذاء والموارد، مصادر الطاقة، الانفجار السكاني، الأوبئة، الهجرة.. الخ، قضايا الساعة التي ربما يتناولها هذا أو ذاك من كتّابنا، ولكنها تبقى في النهاية أطروحات لحظية، أو تعليقات سريعة على هامش الحدث أو الواقعة، تفتقر إلى الإطار النظري التحليلي، أو التنبؤ المستقبلي بمسار المشكلة ومآلاتها، وذلك مثلاً بعكس بحوث وحلقات نقاش في دوريات علمية متخصصة، وملفات في صحف يومية، وكتب على مدار العام، وندوات ومؤتمرات تعقد هناك نقرأ عنها أو نسمع بها، ولا همّ لكل المشاركين في هذا الزخم إلا تقديم وجهة نظر تساعد متخذ القرار على التعامل مع تلك المشكلات، من هنا تكتسب تلك المعالجات تعدديتها وتنوعها.
يأتي التكامل في المعالجة من خلال السينما والأدب وربما حتى الألعاب الإلكترونية، تتحول المشكلة إلى كائن يتجول على قدمين، وإلى هم مجتمعي، وتعلو الدعوات إلى سن التشريعات والقوانين التي تهدف إلى العلاج الناجع، حدث هذا في قضية الاستنساخ على سبيل المثال، والآن في الوقت الذي يدرس فيه نخبة العلماء دور الروبوتات في العقود المقبلة، نجد عدة أفلام سينمائية تتناول مختلف أبعاد هذا الدور.
هذه الصورة تطرح سؤالها الخاص بنا: أين نحن من كل ذلك؟ يحلو لكثير من النقاد مثلاً عند رصد غياب أدب الخيال العلمي في الثقافة العربية، طرح السؤال المحرج: وهل نحن أمة منتجة للعلم؟ وراء هذا التهكم الاستنكاري خفة في التعامل مع القضايا الحساسة، فليس هناك أسهل من منطق السخرية الذي يريح الرأس، ويلقي باللوم على عشرات الظروف المحيطة. من هذه الظروف مثلاً، أن مشكلات العالم العربي من نوعية مختلفة، سياسية واجتماعية في الأغلب الأعم، لا تترك للمفكر الوقت اللازم للتعاطي مع تلك المشكلات، وبصراحة أكبر يعتبر بعضهم أن قضايا مثل التغير المناخي رفاهية قياساً بالأزمات العربية المزمنة.
نحن لا نقرأ التاريخ، أو نطالعه ولا نتمعن فيه، أو نعرف دروسه ونتجاهلها، فالكثير من البلدان المتقدمة الآن، مرت بمراحل عانت فيها الحروب والثورات، ولكنها لم تتوقف يوماً عن التعاطي مع البحث العلمي أو التفكير في المشاكل الإنسانية الملحة، ونتيجة لذلك تجاوزت عثراتها وتقدمت، ولم تتقوقع مثلنا خلف حدودها الضيقة لا مبالية أو ساخرة، في الوقت الذي يسبقنا العالم بأكمله، وربما هو الذي يسخر منا في الحقيقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"