عادي

خلاف حول الطبيعة الإنسانية بين فوكو وتشومسكي

00:58 صباحا
قراءة دقيقتين

في ذروة حرب فيتنام، وفي زمن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، دعا الفيلسوف الهولندي فونز إلدرز، اثنين من كبار المثقفين: نعوم تشومسكي وميشيل فوكو، لمناظرة تدور حول السؤال القديم: هل هناك شيء يدعى الطبيعة الإنسانية الموروثة المستقلة عن خبرتنا والتأثيرات الخارجية؟ هذا الحوار يعتبر واحداً من أكثر المحاورات أصالة وتلقائية وإثارة للتفكير بين الفلاسفة المعاصرين، وعلاوة على ذلك يساعد على عرض مقدمة موجزة لنظرياتهما الأساسية.

الحوار الذي بدأ كنقاش فلسفي منطلقاً من اللغويات ونظرية المعرفة انتقل إلى نقاش أعم، غطى مساحة كبيرة من الموضوعات، امتدت من العلم والتاريخ وعلم النفس إلى الإبداع والحرية والنضال من أجل العدالة.

يضم هذا الكتاب الصادر تحت عنوان «عن الطبيعة الإنسانية» المناظرة الشهيرة بين نعوم تشومسكي وميشيل فوكو، ترجمة أمير زكي، وقد أجري هذا الحوار في هولندا في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1971، وفيه تحدث تشومسكي بالإنجليزية، وفوكو بالفرنسية، وتم عرضه في التلفزيون الهولندي، وكان حلقة من سلسلة مناظرات يستضيف فيها المفكر الهولندي فونز إلدرز فيلسوفين من تيارين مختلفين، وأحيانا متضادّين من بين مفكري القرن العشرين، ليتواجها على الشاشة، إلا أن كلاً من تشومسكي وفوكو ليسا فيلسوفين بالمعنى الأكاديمي الضيق، فكلاهما طوّر مقاربة أصيلة جداً في دراسة اللغة، كما أنهما أسهما في تحديد دور المثقف السياسي، أو العام.

وتنقّل المتناظران في مواضع متعددة مستخدمين لغتين أمام جمهور التلفزيون الهولندي في هذه اللحظة الفريدة، عابرين من أسئلة اللغة والإبداع إلى أسئلة السلطة والسياسة، فأتاح هذا الحوار مساحة للنقاش عبر الجغرافيات الفكرية والسياسية، وبدا أن الخلاف على «الطبيعة الإنسانية» يبلور الاختلافات في المقاربة اللغوية والفلسفية والسياسية في الوقت نفسه، في أعمال تشومسكي وفوكو، وفي بلديهما.

بأي طريقة أعدت دراسة اللغة والخطاب كلاً منهما لدوره السياسي الجديد؟ بعبارة أخرى، ما العلاقة بين اللغويات والسياسة أو ما دور السلطة في تحليل الخطاب؟ فبمعنى ما كانت هي ذروة المناظرة مع محاولة كل منهما ترجمة السؤال الأساسي بمصطلحاته الخاصة، فهل هي مسألة الكليات اللغوية وعلاقتها بالعدالة والملاءمة الإنسانية كما رأى تشومسكي، أم هي قضية قيود تاريخية ومادية وعلاقاتها بممارسة السلطة كما أصرّ فوكو؟ بعد محاولات مهذبة عدة لإيجاد أرضية مشتركة اندلع خلاف في هذا السياق، وفي النهاية كما هو معتاد في هذه الحوارات، لم يصلا إلى حل.

ويوضح الكتاب أن مشكلة السلطة امتدت لأسئلة طرحها تشومسكي عن العدالة في نهاية الحوار مع فوكو، فبأي طريقة يمكن أن نجد هذا النوع من المسؤولية السياسية في المؤسسات المتحققة وخطابات العدالة، وكذلك في فكرة العدالة نفسها، كانت هذه مشكلة اهتم بها فوكو بعمق، ورغب في العمل عليها، فالحقوق الاجتماعية تظهر من معرفة جديدة للظروف الاجتماعية والعملية والنضالات المتعلقة بها، وفي النهاية فإن طبيعة مثل هذه الحقوق وضمانها يعتمدان على السياسة وأنواع المعرفة والخبرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"