شجاعة استشراف المقبل

03:47 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

لم تترك تقارير وكالات الأنباء والصحف الكبرى شاردة أو واردة تتعلق بفيروس كورونا إلا وتابعتها، حتى تحدث البعض عن الجوانب الإيجابية في وسط القلق الذي يسود العالم بأكمله، ومنها انخفاض معدلات التلوث بصورة ملحوظة، وتحسن نوعية المياه في بعض المناطق..الخ، ولكن الذي يدعو إلى الانتباه في ذلك الزخم الإعلامي غير المسبوق، تلك السيناريوهات العديدة التي يرسمها البعض للمستقبل، والأكثر أهمية ذلك السباق إلى أي خبر عن لقاح ناجع وقريب للفيروس.

كثيرة هي التحليلات التي تتحدث الآن عن مقارنات بين أنظمة عرفت بشموليتها، وأخرى عريقة في الديمقراطية، الأولى يبدو أنها عالجت تفشي الوباء بأساليب أبهرت العالم، والثانية لم تتناسب إجراءاتها مع خطورة الفيروس، ما فتح الباب على أسئلة عديدة، تتعلق بتبعات ذلك على أرض الواقع لاحقاً والخروج بمعطيات جديدة تماماً، ربما تعيد النظر في نظم الرعاية الصحية، وبمسألة التقدم العلمي، وبعلاقة السلطة مع المجتمع المدني، وحدود الديمقراطية، وأيضاً بأوضاع اقتصادية اجتماعية ستتأثر نتيجة لتداعيات كورونا، وهي القراءات والتحليلات التي لا نجد لها نظيراً فيما يخص الحالة العربية، فالكل يكتب عن مستقبل ما يحدث «هناك»، برغم أن كورونا لم يتوقف عند حدود معينة. نحن نعرف القلق والتوتر الذي يعيشه الجميع والدعوة إلى التكاتف وإشاعة الأمل، وتشجيع الجهود المبذولة ودعمها، ولكن يجب أن نفتح حواراً حول كافة الاحتمالات، حتى نكون على استعداد لمختلف المتغيرات، لا يمكن إلا أن ينتابنا سؤال، وماذا إذا طالت الأزمة؟

السؤال لا يدعو إلى التشاؤم أو الخوف، فالبشرية حتماً ستنتصر على الوباء، والإجابة لا تحتاج إلى علم المستقبليات، أو معاهد بحثية، فالتاريخ يخبرنا بمسارات أوبئة، يعتبر ما نشهده الآن مزحة مقارنة بها، ولكن طرح مختلف السيناريوهات، مهما بدت خيالية أو غير متوقعة، والتعاطي معها بعقلانية وبرؤية علمية سيمنحنا قدراً من الهدوء، فالمجهول أوسع أبواب الخوف.

أيضاً، لا يمكن مراقبة الوضع العربي إلا وينتابنا سؤال: أين هم العلماء العرب؟ وأين هي جامعاتنا ومعاهد أبحاثنا؟ نحن نشعر بفرح وأمل عندما نقرأ يومياً عن تجارب دوائية لمصل يعالج الوباء، أيضاً «هناك»، لم يخرج أحدهم في منطقتنا ليطرح رؤية أو يقول فكرة تتعلق باللقاح، الأمر الذي يثير علامات استفهام تخص التعليم والبحث ورؤيتنا للعلم وإيماننا به، والمسألة لا تتعلق بنقد الذات درجة الجلد، وهي هواية عند البعض، فالوقت لا يسمح بذلك الترف الفكري، فالصحة العامة على المحك، ولماذا علينا دائماً أن ننتظر الدواء من الآخرين؟

ربما يخبرنا المستقبل أن التعاطي بشجاعة مع استشراف المقبل، وتقييم حقيقي لتراجعنا العلمي أبرز الإيجابيات لفيروس كورونا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"