لا تحالف بين روسيا والغرب ضد «داعش»

02:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

الإرهاب الذي ضرب العاصمة الفرنسية في ١٣ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي كان له فعل الزلزال، وقد دفع بمراقبين وسياسيين كثيرين إلى الاقتناع بأن فرنسا بعد هذا التاريخ لن تكون ما كانته قبله، تماماً كما غدت عليه الولايات المتحدة بعد تفجيرات ١١ سبتمبر/ أيلول ٢٠٠١.
لكن على صعيد الحياة اليومية في باريس فقد عادت إلى ما كانت عليه تقريباً وبسرعة أذهلت كاتب هذه السطور الذي عاد لتوه من هناك حيث شارك بفعاليات مؤتمر أكاديمي كان مقرراً قبل التفجيرات ولم يشأ منظموه إلغاءه بعدها. كان الحضور كاملاً من دون غياب يذكر، سواء لجهة المحاضرين أو المشاركين أو الحضور. وبالنسبة للإجراءات الأمنية عموماً في العاصمة فهي أقل بكثير مما ينبغي في مثل هذه الظروف. حافلات النقل العام والمترو والقطارات تعج بالركاب ولا تفتيش أو أي حضور أمني في مداخلها. والمطاعم والمقاهي والأماكن السياحية تزدحم تقريباً بالرواد، وفقط هو البرد القارس الذي يشكل رادعاً للمتنزهين في الشوارع والحدائق وليس المخاوف الأمنية. حديقة الميلاد في الشانزليزيه المبنية للمناسبة في الهواء الطلق تزدحم بالناس نهاراً وليلاً. وقمة المناخ التي تجمع عشرات الآلاف من الناشطين البيئيين والخبراء والصحفيين فضلاً عن السياسيين، تنعقد بشكل أكثر من طبيعي. إنه الإنسان خلق ليتكيف مع كل الظروف والأوضاع.
على المستوى الرسمي يمكن ملاحظة تداعيات الإرهاب الذي وحّد الطبقة السياسية في مواجهته بدليل الحضور الكثيف في الانفاليد، خلف رئيسي الجمهورية والحكومة، في ٢٨نوفمبر، لتكريم ضحايا العمليات الإرهابية. وفي الإعلام فإن موضوع الإرهاب يسيطر على المساحة الأكبر، كذلك أخبار الحراك الرسمي والتدابير الحكومية لجهة تمديد حالة الطوارىء والمقترحات المتعلقة بتعديل الدستور وإصدار قوانين وتشريعات وغيرها لمكافحة الإرهاب.
ويبدو واضحاً أن ثمة رضا شعبياً وسياسياً على التقارب الحاصل ما بين موسكو وباريس والذي قيل إنه بصدد التحول إلى تحالف معلن. لكن المؤتمر الصحفي الذي اختتم به الرئيسان بوتين وهولاند لقاءهما في موسكو في ٢٦ نوفمبر الماضي، يشي بما يقطع الشك باليقين بأن التحالف المذكور لن يرى النور وبالتالي فإن أياماً طوالاً لا تزال في عمر التنظيم «الداعشي».
قبل هذا اللقاء في موسكو كان هولاند في البيت الأبيض يلتقي الرئيس أوباما، ومنه سمع ما لا يشجع على قيام تحالف عالمي ضد الإرهاب. وكان من الغرابة بمكان أن يعلن أوباما صبيحة تفجيرات باريس بأن لا نية لإرسال قوات برية لمحاربة «داعش» فقدم تطميناً مجانياً للتنظيم الإرهابي في وقت لم يطلب منه أحد أن يرسل قوات برية أو غيرها. إنها المعزوفة نفسها التي يرددها أوباما حول القوات البرية والتي تختبىء خلفها مواقفه المترددة بل المتخاذلة حيال الإرهاب، ما يشي بأن ثمة حسابات سياسية أمريكية خلف إطالة عمر الإرهاب «الداعشي» وغيره في انتظار انجلاء الأزمة السورية على اتفاق يرضي الأمريكيين.
التقدم الوحيد الذي أحرزه هولاند في زيارته الروسية، قبل توجهه إلى بكين للهدف نفسه، كان الاتفاق المشترك مع الروس على تكثيف الاتصالات الاستخباراتية وتبادل المعلومات، كذلك التنسيق ما بين القوات الروسية في سوريا وحاملة الطائرات شارل ديغول التي أرسلتها باريس إلى المتوسط للمشاركة في عمليات القصف على «داعش». وتجدر الإشارة إلى متانة العلاقة الشخصية بين الرئيسين الروسي والفرنسي واللذين يتبادلان الكلام من دون ألقاب.وللتذكير فإن الرئيس هولاند ذهب إلى موسكو، بصحبة المستشارة الألمانية ميركل، للوساطة إبان الأزمة الأوكرانية، وهو من عرابي اتفاق مينسك. كما أن الرئيس الفرنسي السابق صديق شخصي حميم لفلاديمير بوتين وقد سافر اليه بعد التفجير الإرهابي الذي تعرضت له الطائرة الروسية فوق سيناء ودعا إلى تحالف روسي غربي ضد الإرهاب. ولدى عودته إلى فرنسا كرر الدعوة للحكومة الاشتراكية لتوثيق أواصر العلاقة مع الكرملين ضد الإرهاب. لذلك فإن زيارة هولاند إلى روسيا حظيت بتأييد واسع في فرنسا وجرى كلام كثير عن تحالف فرنسي - روسي يفتح الطريق أمام تحالف أوروبي ثم أمريكي أي غربي مع روسيا. لكن في أوروبا نفسها ليس هناك اتفاق عام حول وسائل المشاركة في الحرب ضد «داعش».
وعلى كل فمن الناحية السياسية لا تزال الخلافات قائمة بين من يريدون حلاً سياسياً لسوريا، من دون بشار الأسد، وبين موسكو التي لا تزال تردد بأن الشعب السوري وحده من يملك مثل هذا القرار. هذا الخلاف يقسم الأوروبيين أنفسهم والذين لايزالون على حالهم من الانقسام القديم بين من يفضل الانصياع لقيادة أمريكية ومن يريد أوروبا قوية مستقلة بقرارها عن واشنطن من غير استبعاد التنسيق معها. وإزاء مثل هذه الخلافات فمن الصعوبة بمكان تصور قيام تحالف غربي روسي ضد الإرهاب بشكل عام أو ذلك المتمثل ب«داعش» تحديداً. وهذا الأخير سوف ينعم بأيام طوال أمامه في غياب اتفاق دولي واضح على التخلص منه، فضلاً عن وجود مصالح لبعض الدول في الإبقاء عليه في غرفة انتظار الحلول الدولية لأزمات المنطقة العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"