"الإخوان" . . ازدواجية متعمّدة

05:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

تواترت الأنباء خلال الاسبوعين الماضيين عن قرار مصري رسمي مزمع بحل جماعة الإخوان المسلمين . والجماعة في مصر التي تشكلت في العام 1928 هي الجماعة الأم لبقية الجماعات المماثلة، سواء حملت الاسم نفسه كجماعة الاخوان المسلمين في الأردن، أو حملت أسماء أخرى مثل الجماعة الإسلامية في لبنان، والحزب الإسلامي في العراق وحزب الإصلاح في اليمن . ورغم تضارب الأنباء بين مؤكد ونافٍ للخبر، فمن الواضح أن الجماعة في مصر باتت محل مطاردة شديدة على خلفية اتهامها بأعمال جنائية، ما يجعل الجماعة شبه محظورة عملياً .

وفي واقع الأمر إن الجماعة التي حلت في العام 1954 في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بعد أن طلب مكتب الإرشاد من قيادة مجلس الثورة أن يعرض على المكتب مشاريع قرارات قيادة المجلس لنيل الموافقة عليها قبل صدورها . إلى أن صدر في مارس/آذار الماضي في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي قرار قضائي شرّع العمل للجماعة .

وبالعودة لقرار الحل قبل 59 عاما فقد كانت الأحزاب جميعها قد حُلّت، واستثنيت الجماعة من الحل ، فرأت الجماعة التي يقودها آنذاك حسن الهضيبي أن هذا الاستثناء يمنحها امتيازاً سياسياً ومرجعياً، فيما كان عبدالناصر يعزز قبضته في حكم البلاد ويتمتع بنفوذ متنام في أوساط الرأي العام .

وقد ظلت الجماعة شبه محتجبة حتى بدأت موجة الإسلام السياسي أواخر سبعينات القرن الماضي مع قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وقبل ذلك بسنوات قام الرئيس الأسبق أنور السادات بتسهيل عودة الإخوان إلى المسرح السياسي والإعلامي، وذلك ضمن سعيه لتصفيه الإرث الناصري، ولكن من دون تقنين هذه العودة .

منذ ذلك الحين تجدد حضور الجماعة في الحياة العامة، التي أسهمت في تغذية أسلمة المجتمع ثم استفادت بدورها في تغذية راجعة من هذه الأسلمة . . والمقصود هنا بالأسلمة في بلد الأزهر، وفي مجتمع غالبيته مسلمة، هو ربط السياسة بالدين بتسييس الدين، وتديين السياسة معاً وإحلال الانتماء الديني كمعيار أول محل مبدأ المواطَنة .

حضور الجماعة بدا واضحاً خلال العقود الثلاثة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، فرغم استمرار حظر الجماعة إلا أن نفوذها الاجتماعي تزايد في بلد تشكو الملايين فيه من غائلة الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية، ومع النشاط الاستثماري الذي بذله قياديون ومقربون من قيادات الجماعة، مما جعل الجماعة تحوز رؤوس أموال كافية لممارسة أنشطتها (وهو بالمناسبة وبمقاييس نجاعة الأحزاب سلوك حزبي صائب، إذ ليس شرطاً واجباً على الأحزاب أن تكون في حالة إفلاس دائم، وبغير موارد تُذكر!) إضافة إلى شبكة علاقات أقامتها الجماعة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي مع جمعيات خيرية وجماعات دعوية في منطقة الخليج وغيرها من دول العالم .

ورغم أن الجماعة لم تحظ بوجود قانوني، إلا أنها انتزعت في عهد مبارك اعترافاً واقعياً بها عبر انتشارها الكثيف، وكان هذا الاعتراف يسمح بترشح وفوز أعضاء لها لمجلس الشعب (البرلمان) وبهوية حزبية تكاد تكون معلنة، مع حملات تضييق ومطاردة جعلت غالبية القيادات تألف دخول السجون والخروج منها لأكثر من مرة في العام الواحد، مما أضفى على الجماعة صورة الضحية شبه الحصرية، بينما نجت المرتبات الوسطى والقاعدية من حملات المتابعة والتضييق ، ما سمح بتماسك الجماعة وأحيانا رفدها بالحيوية بتجديد قياداتها .

تعرضت الجماعة للحل لأول مرة منذ العام 1938 إلى العام 1951 . وقد وصف مرشدها حسن الهضيبي الجماعة بأنها دينية دعوية ، وأن أعضاءها وتكويناتها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي ولا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم والانتخابات . وبناء على ذلك تمتعت الجماعة بحرية العمل في الفترة من العام 1951 حتى العام ،1954 إلى أن نشبت الخلافات مع مجلس قيادة الثورة، فوقع حل الجماعة منذ العام 1954 ويستند هذا الحل علاوة على الأسباب السياسية، إلى كون الجماعة دينية دعوية تعمل في المجال الخيري، ولم تنشأ كحزب سياسي ومع ذلك دخلت عالم السياسة من باب عريض . ورغم أن الإمام المؤسس حسن البنا وضع في أهداف الجماعة تحرر الوطن الاسلامي من كل سلطان أجنبي إلا أن البنا حمل على الأحزاب والحزبية واعتبرها نتاج أنظمة مستوردة . .

بهذا عملت الجماعة عبر نشأتها وتاريخها على الجمع بين النشاط الديني والسياسي، وقد ظل هذا الالتباس المتعمد يحكم مسيرتها ويطبعها بطابعه، مستفيدة من هذه الازدواجية المقصودة فتخاطب بسطاء الناس على أنها تسعى لإقامة حكم الشرع والنهي عن المنكر، وتتعامل مع المكونات السياسية على أنها جسم حزبي .

وفي محاولة لتعظيم وجود الجماعة، فقد عمدت قيادتها لإنشاء حزب الحرية والعدالة في 6 يونيو/حزيران 2011 بعد أشهر على قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني في العام نفسه . وهو حزب ذو مرجعية إسلامية يتبنى أيديولوجية الإسلام السياسي . وكان الإخوان المسلمون في الأردن قد أقدموا على خطوة مماثلة بانشاء جبهة العمل الإسلامي في العام 1992 كذراع سياسية وحزبية للجماعة . والحال أن نشوء هذين الحزبين لم يحُدّ من النشاط السياسي للجماعة الدينية، الدعوية، الخيرية . وبدلاً من الفصل بين ما هو دعوي وحزبي، فقد عمدت الجماعة في مصر إلى مضاعفة وجودها عبر إنشاء حزب، مع استمرار الجماعة بمزاولة العمل السياسي! هذه الازدواجية المتمادية تشكل ذخيرة قانونية ودستورية لتحديد مصير جماعة الإخوان في مقبل الأيام .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"