«كورونا» وفضيلة التضامن

01:56 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

إذا كان لفيروس كورونا المستجد من «فضيلة» في هذه المحنة العالمية، فهي تحريكه نوازع الخير في البشر، وخصوصاً لدى قادة الدول والشخصيات الدولية والدينية، التي لا تنفك عن المناداة بإعلاء قيم التضامن والتكافل بين البلدان والمجتمعات من أجل شحذ الإمكانيات والموارد للتغلب على هذا الوباء وتطويق كل تداعياته السلبية.
من الفاتيكان، علا صوت البابا فرنسيس، داعياً، في عظة مؤثرة ومشهد غير مألوف في ساحة القديس بطرس، إلى الإحساس بالدول الأشد فقراً والتفكير جدياً في خفض أو إلغاء ديونها وتخفيف العقوبات على دول أخرى، كما دعا إلى التوقف عن صنع الأسلحة والاتجار بها واستخدام الأموال الطائلة بشأنها في معالجة المصابين وإنقاذ الأرواح. واخترقت هذه الدعوة كل حواجز العزل الصحي المفروضة حول الفاتيكان في إيطاليا وفي كل دول العالم تقريباً، على أمل أن تجد من يسمعها وينفذها. وقبل بابا الفاتيكان، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس قد دعا زعماء جميع الأديان حول العالم، لتوحيد القوى باتجاه العمل على إحلال السلام في جميع أرجاء العالم والإيمان بقيم الإنسانية المشتركة لهزيمة فيروس كورونا المستجد من أجل الحفاظ على سيرورة الحياة في المدن والقرى حول العالم.
عظة البابا ودعوة جوتيريس لم تصدرا من فراغ، بل جاءتا رداً على السجالات المسقطة على معركة المجتمع الدولي ضد كورونا، ومنها التراشق الدبلوماسي حول الفيروس بين الصين والولايات المتحدة، وكذلك هجوم الرئيس دونالد ترامب الحاد على منظمة الصحة العالمية بذريعة أنها «منحازة» إلى بكين. والحال أن العالم اليوم ليس لديه من ترف الوقت ليدخل في المعارك الجانبية المفتعلة، في الوقت الذي يفقد فيه الآلاف أرواحهم على مدار الساعة بسبب عجز الأنظمة الصحية العالمية وجبروت التقنية عن مواجهة هذا الفيروس ووضع حد لمخاطره التي لا تستثني أحداً.
في أيام الشدائد والأزمات تولد العبر. وبعد خروجه من المستشفى بعد أن قضى أياماً في العناية المركزة، قال رئيس الوزراء البريطاني، الذي استخف في بادئ الأمر بكورونا، أنه سيظل مديناً طوال حياته للأطباء والممرضين، وربما تكون للتجربة الشخصية لجونسون، وهو يرأس إحدى القوى الدولية الفاعلة، تأثيراً في مسار البحث الطبي في المستقبل، من جهة زيادة دعم النظام الصحي العالمي، وهو توجه عبر عنه عديدون، كل بطريقته، مثل الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ما يشير إلى أن هذه الجائحة غير المسبوقة قد نبهت هؤلاء الزعماء إلى أن القوة والعظمة لدى الدول لا تتمثل في ترسانات الأسلحة والتكنولوجيات المتقدمة والأموال الطائلة، بل العظمة والقوة في ما يتضمن رصيد هذه الدولة أو تلك من قيم إنسانية سامية ومنظومات للتكافل والتضامن على النطاقين المحلي والدولي. وقد يمكن الاستنتاج أنه لولا جائحة كورونا لما صحت ضمائر عديدة على حقيقة واقعها ولما اضطرت إلى مراجعة كل شيء يتصل بصحة الإنسان وحياته وأمنه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"