ذاكرة وعِبَر

05:24 صباحا
قراءة دقيقتين

لم تكن الذاكرة على قدر الذكرى، هذا ما يمكن قوله عن المناسبتين اللتين مرتا قبل أيام من دون كثير من التفاعل . الأولى كانت مرور 45 عاماً على النكسة العربية والفلسطينية، ذكرى كانت تستحق التوقف عندها واستغلالها كثيراً، كما حدث العام الماضي الذي شهد مسيرات حدودية في كل المناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة، وسقط خلالها شهداء في لبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، ذكرى كانت على وشك التحول إلى انتفاضة، لولا غياب القرار السياسي .

القرار السياسي نفسه يبدو أنه توسّع ليطال إحياء اليوم نفسه، فمرّ عنوان ال45 عاماً عابراً في الميدان، لا مسيرات ضخمة ولا مواجهات حقيقية ولا رايات موحدة، بل اقتصر على تجمعات خجولة في الأراضي الفلسطينية لرفع العتب، فيما لم تحظ الذكرى بأي اهتمام في دول الطوق باستثناء بعض الكلمات التي بثها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أبقت على حضور عابر للتاريخ في الأذهان، من دون ترجمة فعلية على أرض الواقع، في الوقت الذي تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى عنوان جامع موحّد . إلا أن المفارقة كانت في تحوّل العنوان إلى عامل تقسيم، مع انفراط عقد المسيرة التي نظمت في قطاع غزة احتجاجاً على الرايات الفصائلية .

ذكرى ثانية كانت خارج السياق أيضاً، وهي مرور 30 عاماً على الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت واحتلالها . لم يتوقف اللبنانيون عند هذا التاريخ، وكان انشغالهم أكبر بالمخاوف من تكرار تاريخ آخر، هو تاريخ الحرب الأهلية، وهم يراقبون الأحداث في طرابلس التي شبهها كثيرون ببوسطة عين الرمانة، على اعتبار أنها قد تتدحرج سريعاً لتعم الأراضي اللبنانية . نسي اللبنانيون ذكرى الأعوام الثلاثين وهم ينظرون إلى الأحداث السورية تتسرّب رويداً رويداً إلى بلاد الأرز، رغم الحاجة أيضاً إلى تاريخ جامع يوحّد ولا يفرّق . المفارقة في هذه المسألة أن الذاكرة جاءت من الطرف الآخر، أي من جانب الاحتلال الإسرائيلي، الذي أفردت صحفه ملاحق وتقارير للذكرى في إطار استراتيجية استخلاص العبر التي تعتمدها دولة الاحتلال . قد يكون عنوان استخلاص العبر هو ما يحتاج إليه الفلسطينيون واللبنانيون في تعاطيهم مع الذاكرة والذكرى، وقد لا يكون مهماً إحياء التاريخ بحد ذاته، بقدر أهمية مراجعته بعناية لتجنّب أخطاء ومطبات واضحة، لكن الوقوع فيها يتكرر دوماً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"