الإسلام.. وفرمانات السلطان

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

السلطان الذي لم تعد تنطلي ألاعيبه على الشعب التركي، يمارس ألاعيبه على شعوب العرب والمسلمين، ويصبغ غزوته غير الميمونة على سوريا بالدين
يشهد الاتجار بالدين رواجاً كبيراً بعد أن اختارته أنظمة حكم ورؤساء دول، وسيلة لتنفيذ مخططاتهم، وممارسة الدجل السياسي على شعوبهم وغير شعوبهم حول العالم، بعد أن آتت الشعوذة معهم أكلها، وتركت آثاراً في قطاعات من الرأي العام ممن يفتقدون الوعي ويعجزون عن إعمال العقل ويختارون أن يتم اقتيادهم باسم الدين.
الاتجار بالدين، مهنة اختارها أفراد يحلمون بالتأثير في الآخرين ويسعون لأن يكون لهم مريدون يلتفون حولهم كالتلاميذ من الصغار أو الكبار المسلوبة عقولهم، واختارتها جماعات تحلم بالسلطة والنفوذ وتجمع داخلها من سيطرت عليهم شهوات الدنيا ولم يجدوا وسيلة لإشباعها سوى باستخدام ترغيب وترهيب الناس بالدين، وكأنهم يقرون بما قاله كارل ماركس قبل حوالي ١٧٠سنة، إن «الدين زفرة الإنسان المسحوق، روح عالم لا قلب له، كما أنه روح الظروف الاجتماعية التي طرد منها الروح. إنه أفيون الشعب». وأيضاً رأت بعض أنظمة الحكم والساسة والرؤساء أن الاتجار بالدين وحده ولا شيء غيره، هو الوسيلة الأمثل لتخدير شعوبهم، وتحقيق طموحاتهم الجارفة التي تتجاوز حدود دولهم، وتكوين إمبراطوريات على نسق إمبراطوريات الزمن الغابر.
كثير من الجرائم ترتكب باسم الدين، ويسعون لسرقة الأوطان باسمه، وكثير من الأرواح تزهق باسم الإسلام، ولأن رجب طيب أردوغان أحد تلامذة حسن البنا وسيد قطب، لذا اختار أن يسير على نهجهما في الاتجار بالدين، وإذا كانت جماعة الإخوان الإرهابية قد اختارت «الإسلام هو الحل» شعاراً لتضليل الشعوب والتغلغل في نسيجها، فقد اختار وريث الإمبراطورية العثمانية الدين مطيّة لاستعادة إمبراطوريته التي لم نرث عنها سوى كل ما هو رديء وظالم في تاريخنا السياسي والاجتماعي.
السلطان الذي لم تعد تنطلي ألاعيبه على الشعب التركي، يمارس ألاعيبه على شعوب العرب والمسلمين، ويصبغ غزوته غير الميمونة على سوريا بالدين، حيث أطلق على جيشه المعتدي على شمال سوريا «الجيش المحمدي»، محاولاً استغلال اسم رسول الحق لتحقيق مآربه البعيدة عن كل حق، ولقتل أناس وتهجير آخرين مستقرين على هذه الأرض منذ آلاف السنين، كما يستخدم اسم رسولنا الكريم للاعتداء على مسلمين، ليسوا كفارا ولا ملحدين. وليس غريبا أن يطلق على جيشه اسم «الجيش المحمدي».
ومثلما استخدم اسم محمد لإطلاقه على جيشه القاتل، كلف أوقافه بإجبار الناس على قراءة سورة الفتح يومياً في جميع المساجد التركية بعد صلاة الفجر، والدعاء للجيش بالانتصار وسلب أرض الجيران.
آخر الأنباء، أن الرئيس الإخواني أصدر فرمانه العثماني بترقية أي جندي يحفظ القرآن إلى رتبة ملازم أول، ليصبح ضابطاً من دون أن يحصل لا على التدريبات ولا على العلوم التي تؤهله لذلك، ولكن يبدو أن أردوغان يريد تربية جيشه تربية عقائدية، لا وطنية، وهو نفس النهج الذي تنهجه الجماعات الإرهابية مع مسلحيها، وقد وصل عدد الجنود الذين حفظوا القرآن ونالوا هذا الامتياز ٤٠ ألفاً والمستهدف ١٠٠ ألف سيشكلون خلية أردوغان لاستعادة الإمبراطورية الوهمية.
ليس غريباً أن يفعل أردوغان كل ذلك، وهو الذي يستخدم الدين أداة لمواجهة كل مشاكله وكان آخرها قبل عيد الأضحى عندما أقحم الدين في مشكلة انهيار الليرة التركية، ووصف في خطاب عام أزمة العملة التي شهدتها البلاد بأنها هجوم على اقتصاد تركيا لا يختلف عن الهجوم على العلَم أو الأذان.
ما يفعله أردوغان في الشمال السوري ليس سوى بداية لتحقيق حلمه باستعادة الإمبراطورية الغابرة تحت غطاء ديني، وإذا لم يتم كسر شوكته هناك سيواصل الزحف، ولن يكون أحد بمنأى عن رصاصه وصواريخه. هو يسير على نهج صديقه نتنياهو الذي اتخذ الدين اليهودي أداة لتحقيق مآربه السياسية، وعلى نهج الفرنجة بحروبهم على منطقتنا تحت غطاء الدين المسيحي، وعلى نهج جورج بوش الابن الذي دمر العراق باسم الصليب، وعلى نهج جماعته من إخوان الشياطين وتوابعها من الجماعات الإرهابية التي كانت أدواته في تدمير سوريا وتخريب ليبيا، وعلى رأسها القاعدة وداعش وجميع طيور الظلام.
الدين بريء مما يفعله أردوغان، وأفعاله تذكرنا بما قاله سلامة موسى قبل حوالي قرن في كتابه «حرية الفكر وأبطالها في التاريخ»، أن الاضطهادات التي وقعت باسم أي دين في التاريخ ليست «عيباً على الدين في ذاته»، ولكنها شهادة تاريخية على ما يمكن أن يفعله الحاكم حين يسخّر الدين لأغراض سياسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"