أوروبا تبحث عن أمنها الذاتي

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين
كلمة الخليج

أدى الانسحاب الأمريكي السريع وغير المنظم من أفغانستان، من دون التشاور والتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، إلى تصدع جديد في العلاقات القائمة بين ضفتي الأطلسي، خصوصاً ما يتعلق بالتحالف الاستراتيجي الذي قام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي على أساسه قام حلف الأطلسي (الناتو)، والتعهد الأمريكي بحماية الحلفاء الأوروبيين.

 كان التصدع بدأ في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رأى أن حلف الأطلسي انتهى مفعوله، وبدأ يفرض شروطه على أعضاء الحلف لزيادة حصصهم في تمويله، ثم جاء الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان ليرمي حجراً جديداً في العلاقات ويضع أوروبا أمام خيارات جديدة للحفاظ على أمنها، خارج الحماية الأمريكية التي بات مشكوكاً في جدواها وفاعليتها ومصداقيتها. وبات السؤال الذي يؤرق المسؤولين الأوروبيين هو: كيف يمكن الرهان على الولايات المتحدة في حماية الأمن الأوروبي، في حين تتخلى عن حلفائها في أوقات الشدة؟

 لذلك، فإن الأصوات الأوروبية التي ارتفعت مؤخراً مطالبة بإنشاء جيش أوروبي تأتي رداً على التخلي الأمريكي عن الأصدقاء والحلفاء، ما لا يضمن لأوروبا أن تفي واشنطن بتعهداتها إذا ما تعرضت للخطر. 

 أن يقول وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه يشعر بأسف كبير للطريقة التي سارت فيها الأمور.. لكن لم يسأل أحد الأوروبيين عن رأيهم، وأن «الولايات المتحدة ليست على استعداد للقتال من أجل الآخرين بعد الآن.. وعلينا حماية أنفسنا عندما لا يرغب الأمريكيون»، ثم يدعو إلى إنشاء «قوة رد سريع أوروبية لتعزيز استعداداتها لمواجهة أزمات مستقبلية مثلما حدث في أفغانستان»، وأن يقول وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إن الحكومة قد تحتاج إلى تطوير قدراتها حتى تتمكن من العمل على مهام عسكرية معينة في المستقبل من دون الولايات المتحدة، فهذا يعني أن أوثق حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا باتوا يشككون في الحماية الأمريكية ويبحثون عن أمن ذاتي بقدرات خاصة.

 الدعوة إلى إنشاء جيش أوروبي ليست جديدة، فقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من مرة إلى ذلك، قائلًا «لا يمكن توفير الحماية للأوروبيين إن لم نقرر بناء جيش أوروبي»، كما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت ترى ضرورة بلورة رؤية أوروبية تتيح الوصول يوماً إلى قيام جيش أوروبي حقيقي.

 لكن، لم تلاق دعوة ماكرون وميركل استجابة أوروبية واسعة؛ إذ إن دول البلطيق وبعض دول أوروبا الشرقية كانت تعارض هذا التوجه وترى أن المظلة الأمنية الأمريكية كافية لحمايتها، لكن مستجدات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قد تضطر هذه الدول إلى إعادة النظر بمواقفها.

 يذكر أن الاتحاد الأوروبي كان قد أنشأ عام 2007 ما يسمى «المجموعات القتالية» التي يبلغ عددها 5 آلاف جندي، لكن لم يتم نشرها آنذاك بسبب خلافات سياسية وتمويلية. 

 من الواضح الآن أن أوروبا باتت متيقنة بأهمية حماية نفسها ذاتياً من دون الاعتماد على حليف يمكن أن يبيعها ويتخلى عنها في أي وقت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كلمة الخليج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"