«الجمعية العامة».. محفل «الخطب والصفقات»!

03:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد سيد أحمد

انعقدت اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام في ظل ظروف ومتغيرات دولية، تمثلت في تصاعد حالة الاضطراب في النظام السياسي والاقتصادي الدولي، والذي من شأنه أن يؤثر في مستقبل العلاقات الدولية وفي الأمم المتحدة التي لم تستطع مواجهة العديد من التحديات العالمية وأبرزها:
* أولاً: تصاعد الحروب التجارية العالمية مثلاً بين الصين والولايات المتحدة أو الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين واليابانيين، وشكلت تلك الحروب في مجملها اتجاهاً مضاداً لحرية التجارة الدولية ولمفهوم العولمة الذي ساد فيما بعد الحرب الباردة وتقوده منظمة التجارة العالمية، وذلك لصالح تصاعد تيار العزلة والقومية الذي تقوده الولايات المتحدة التي فرضت العديد من الرسوم الجمركية على السلع والبضائع التي تدخل الأسواق الأمريكية من جانب الصين والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، وهو ما دفع تلك الدول لاتخاذ إجراءات مضادة، وكان من تداعيات تلك الحرب تصاعد شبح الركود الاقتصادي العالمي وتراجع معدلات النمو العالمية.
ولم تنجح الدورة الرابعة والسبعون في حل قضية الحروب التجارية، كما حدث في قمة السبع للدول الصناعية وقمة العشرين، نتيجة لتشبث كل طرف بمواقفه، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، بينما حدث انفراج نسبي بين الولايات المتحدة واليابان بعد توقيع الرئيس ترامب ورئيس الوزراء شينزو أبي على اتفاق لزيادة الصادرات الأمريكية للسوق اليابانية. تعثر حل مسألة الحرب التجارية يعكس فشل الأمم المتحدة وتراجع دورها كمنظمة عالمية ومظلة دولية لتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في العالم ودعم حرية التجارة الدولية.
* ثانياً: شكلت قضية التغير المناخي أحد أبرز التحديات العالمية التي تهدد العالم كله، نظراً للتداعيات السلبية المتفاقمة نتيجة للتغيرات المناخية وزيادة الانبعاثات الحرارية والتي انعكست في ارتفاع درجات حرارة الأرض بشكل غير مسبوق، كما حدث في أوروبا هذا العام، كذلك حرائق غابات الأمازون بالبرازيل، وتهدد التغيرات المناخية بزيادة أعداد الفقراء في العالم نتيجة لزيادة التصحر والمجاعة، كذلك ارتفاع أعداد الوفيات من الحرارة المرتفعة وكل هذا يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين بمفهومه الشامل، وكما فشلت القمم والتجمعات الدولية السابقة في مواجهة تلك المشكلة، فشلت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في إيجاد رؤية توافقية عالمية بشأن التعامل مع تلك القضية وتمترست الدول الكبرى عند مواقفها، خاصة الولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ ولم تتجاوب مع الدعوات الدولية التي تقودها فرنسا لتحقيق التزام دولي بتخفيض الانبعاثات الحرارية بمعدل 45% بحلول عام 2050، بل إن الرئيس ترامب شارك لدقائق محدودة في قمة الأمم المتحدة للمناخ ولم يبد أي مرونة في تغير الموقف الأمريكي الذي يشكل الآن أكبر عقبة أمام المواجهة العالمية للتغيرات المناخية، خاصة أن الولايات المتحدة أكبر مصدر عالمي للانبعاثات الحرارية.
* ثالثاً: تهديد السلم والأمن الدوليين، فمجلس الأمن بموجب الميثاق هو الجهة المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك وفقاً للفصل السابع من الميثاق، وقد انعقدت الدورة الرابعة والسبعون للجمعية العامة لهذا العام وسط استمرار تصاعد مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين، سواء التقليدية المتمثلة في الحروب الأهلية والإرهاب والتوترات في آسيا مثل التوتر بين الهند وباكستان، كذلك التوترات في منطقة الخليج العربي وتصاعد تهديدات أمن الملاحة الدولية وأمن الطاقة العالمي، أو التهديدات غير التقليدية مثل التغيرات المناخية والحروب التجارية والتصحر والأمراض والهجرة غير المشروعة وتزايد معدلات الفقر وغياب التنمية المستدامة، إضافة إلى تصاعد نزعات الكراهية والعنصرية في العالم خاصة في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وأوروبا مع تصاعد الأحزاب الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرف والتي تتخذ مواقف سلبية وعدائية تجاه الأجانب والمهاجرين، وكلها تحديات عالمية، أي لها انعكاسات سلبية على كل دول العالم، كما لا تستطيع دولة بمفردها مواجهة تلك التحديات، حيث تتطلب المواجهة الجماعية.
ولم تنجح اجتماعات ونقاشات الجمعية العامة واللقاءات الجانبية في بلورة رؤية عالمية للتعامل مع تلك التحديات والتهديدات للسلم والأمن الدوليين، واتخذ العديد من القادة منبر الجمعية العامة لعرض مواقفهم إزاء تلك القضايا، كما لم تفلح القمم المصغرة حول المناخ والصحة الجيدة والتنمية المستدامة وتمويل التنمية في إيجاد استراتيجية عالمية واضحة للتعامل مع أزمات التنمية العالمية ووضع آليات محددة تلتزم بها الدول خلال فترة زمنية محددة، واقتصر الأمر فقط في تلك الكلمات على قرع أجراس الخطر دون التحرك الفعلي على أرض الواقع.
وبالنسبة للتهديدات التقليدية مثل الحروب والصراعات والإرهاب، لم تساهم اجتماعات ونقاشات الجمعية العامة في حل وتسوية تلك الصراعات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط مثل القضية الفلسطينية والأزمة في سوريا واليمن وليبيا، رغم انعقاد بعض الاجتماعات حول ليبيا، كذلك الأزمة في فنزويلا والأزمة بين الهند وباكستان وأزمة كوريا الشمالية.
ويمكن القول إن فشل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في معالجة التحديات والأزمات العالمية يعود لعدة أسباب:
*أولها: تراجع مفهوم العمل الجماعي الدولي والذي من المفترض أن تجسده الأمم المتحدة التي تضم في عضويتها كل دول العالم وتمثل النظام القانوني الدولي، مقابل تصاعد نزعات العمل الفردي الدولي وتزايد حدة الاستقطابات بين الدول الكبرى، خاصة في ظل الصراع المحموم على بنية النظام الدولي، حيث تسعى روسيا والصين لإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب، مقابل سعي الولايات المتحدة لاستمرار هيمنتها على النظام الدولي أحادي القطبية، وهو ما يفسر اندلاع الكثير من الأزمات والصراعات مثل الحروب التجارية أو تصاعد سباق التسلح العالمي وتعارض أجندات الدول الكبرى فيما يتعلق بالأزمات والصراعات والحروب في الكثير من مناطق العالم.
* ثانيها: أن نظام الأمم المتحدة بوضعه الحالي غير قادر على التعامل مع التحديات والتهديدات العالمية مع تغير الأوضاع الدولية وتزايد مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين واستمرار مجلس الأمن بتركيبته الحالية ونظام الفيتو فيه، وهو ما يتطلب إصلاح منظومة الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن، سواء نظام العضوية وتوسيع عدد أعضاء المجلس ليكون أكثر تمثيلاً عالمياً، كذلك إصلاح نظام اتخاذ القرار وترشيد استخدام حق الفيتو من جانب الدول الكبرى، والذي أدى لشل مجلس الأمن واستبعاده من العديد من الأزمات والصراعات العالمية نتيجة لانخراط الدول الكبرى فيها واستخدامها لحق الفيتو، كما حدث في الأزمة السورية، كذلك الفشل في معالجة القضية الفلسطينية، وكانت نتيجة ذلك أن تحولت اجتماعات الجمعية العامة لمجرد ساحة خطابة لاستعراض مواقف الدول المختلفة، كما تزايدت أهمية اللقاءات الجانبية لعقد الصفقات التجارية والتفاهمات السياسية وكلها خارج إطار المنظمة الدولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"