مسلسل الموت

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

كل مدة ترتفع موجة تجرف الناس باتجاهات غير مألوفة. يأتي من يبتكر «صرعة» فتصير هي «الترند» والأكثر تداولاً وتقليداً وتطبيقاً في الحياة الواقعية، لا الافتراضية. لا مشكلة إذا كانت الموجة تحمل أفكاراً غير تقليدية، طريفة أو مسلية، المهم أنها غير مؤذية؛ إنما الكارثة أن تكون الصرعة قاتلة، والتحريض فيها مباشر وغير مباشر، على ارتكاب جريمة بحق الذات، أي الانتحار، أو قتل الغير. والكارثة الأكبر أن يكون المحرض على هذه الجريمة لعبة إلكترونية، أو مسلسلاً تلفزيونياً.
طبعاً سمعتم عن #لعبة_الحبار أو «سكويد جايم»، المسلسل الكوري القصير، 9 حلقات، والذي أصبح الأكثر مشاهدة على «نتفليكس» منذ إطلاقه في منتصف سبتمبر/ الماضي، وقفز سريعاً من الشاشة ليتحدث عنه الناس على كل مواقع التواصل الاجتماعي، و«تيك توك»، ويتحول إلى لعبة إلكترونية على الهواتف النقالة، وتجسد واقعياً، فتم افتتاح محل بالاسم نفسه، والألعاب نفسها في فرنسا شهدت إقبالاً «جنونياً»، ووقف الناس طوابير في الشارع، وحصل تضارب يوم الافتتاح. 
لماذا؟ وما هو الجاذب في «لعبة الحبار»؟ المسلسل قائم على فكرة سبق أن رأينا مثلها في أعمال سينمائية مثل «هانجر جايمز»، لكنه يختلف عنها باستخدامه الألعاب الطفولية التي لعبناها جميعاً وتوارثتها الأجيال، وكانت حتى اليوم مفعمة بالبراءة والضحك والتسلية، وتحويلها إلى ألعاب الرابح فيها قاتل والخاسر قتيل.
6 ألعاب طفولية تقليدية لا عنف فيها بالأساس، حوّلها المسلسل الكوري إلى مجموعة ألعاب يتنافس فيها 456 لاعباً يتم اختيارهم من دون علم منهم بما يحصل، ولا كيف يتم اقتيادهم لدخول هذه اللعبة، ويغرونهم بأن الفائز سيحصل على جائزة 45.6 مليار وون، أي ما يعادل 38 مليون دولار، ليكتشفوا لاحقاً أنهم أمام فخ لا مهرب منه، ويصبح هدف كل واحد منهم النجاة من أجل البقاء على قيد الحياة.
التسويق والترويج للعنف والقتل صار لعبة، وعقول الناس جاهزة للعب بها، فيتم توجيهها نحو هدف معين ولا تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل لإقناعها ببضاعة ما، أو فكرة ما، حتى ولو كانت هذه الفكرة القتل أو الانتحار. إقبال هستيري على كل ما يتعلق بهذا المسلسل، والتجار جاهزون فوراً لإنتاج وبيع كل أكسسوارات وملابس الشخصيات وكل ما له علاقة بالمسلسل. وإذا كانت «نتفليكس» حددت سن المشاهدة ب 18عاماً وما فوق، فإن كل ما يتبع المسلسل من ترويج وتسويق وتشويق وتطبيق للألعاب على الموبايل لا يفرّق بين طفل ومراهق وشاب، ولا يشغل باله بمن يتأثر سلباً، ويحاول تطبيق ما يشاهده على حياته، علماً بأن تأثير «سكويد جايم» يظهر حالياً على الأطفال الصغار، وتراهم يلعبون ألعاب الشارع نفسها، لكن بدل ضحكات البراءة يلوح شبح القتل، وبدل إخراج الخاسر من المجموعة «بهيصة»، يتظاهرون بقتله ويتظاهر هو بالموت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"