الذكي- الغبي

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

يُروى أن ثلاثة أشخاص حُكم عليهم بالإعدام بالمقصلة، وهم: داعية ديني، ومحامٍ، وفيزيائي، ولمَّا حانت ساعة الإعدام تقدَّم الداعية فسألوه هل من كلمة أخيرة يودّ قولها قبل إعدامه؟ فقال: الله هو القادر على إنقاذي. وعندما أطلق الحراس المقصلة توقفت بُعيد هبوطها عند رأس الرجل، فذُهل الناس، وقالوا لقد ذكر الله فأفرجوا عنه، فنجا رجل الدين. وعندما جاء دور المحامي سألوه فأجاب: أنا أعمل لتحقيق العدالة، والعدالة هي التي ستحرّرني، ولمَّا نزلت المقصلة توقفت قبل أن تصل إلى رأسه، فتعجَّب الناس وقالوا: أطلقوا سراح الرجل فلقد قالت العدالة كلمتها، ونجا المحامي. وأخيراً جاء دور الفيزيائي فسألوه فأجاب: إن تفسير ما حدث أن هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع نزولها، وبالفعل وجدوا العقدة فأصلحوها لتنزل المقصلة وتؤدي عملها.
في الحقيقة، إن مفهوم الذكاء يختلف من شخص لآخر، فهناك من يرى الذكاء في سرعة الحساب وحل المعادلات الرياضية، وهناك من يعتقد أن الذكاء هو القدرة على الابتكار والإبداع والتفكير بطريقة تخالف المنطق أحياناً وتخرج عن إطار المألوف في كثير من الأحيان. وهذا الاختلاف ليس وليد اليوم، وإنما هو خلاصة تاريخ إنساني مغرق في القدم؛ حيث كان الإغريق يعدّون كل إنسان يفكر بطريقة عقلانية معتمداً في ذلك على آليات المنطق الذاتية ذكياً، في حين كان الرومان يعتقدون أن الشجاعة هي الذكاء، أما الصينيون فكانوا يرون أن الذكاء يكمن في الموهبة كالعزف ونظم الشعر والرسم وغير ذلك.
ومع كل هذه النظريات المختلفة تبقى حقيقة واحدة ساطعة كالشمس، وهي أن حامل هذا الذكاء وهو الإنسان من أكثر الكائنات الحية تعقيداً وتناقضاً، وفيه تجتمع الكثير من الأضداد، فلا غرابة أن تجد شخصاً يتمتَّع بذكاء رياضي في حين أنه لا يملك ذكاء اجتماعياً، أو رجلاً بارعاً في عقد الصداقات والاختلاط بالآخرين وكسب محبتهم في الوقت الذي تعوزه القدرة على حل مسألة رياضية يستطيع طفل ذكيٌّ رياضياً في الخامسة عشرة من عمره حلها بكل سهولة.
أما العبر التي يمكننا تعلمها من القصة التي أوردناها في مستهل حديثنا ومن كل ما ذكرناه فهي أنه من الأفضل لك أن تكون غبياً أحياناً، أن تصمت وتكبح جماح ذكائك؛ لأن ذلك ذكاء من نوع آخر، وأنه لا وجود لإنسان ذكي في كل شيء ولا آخر غبي في كل شيء، فما نحن إلا كائنات حية تجتمع فينا عشرات الأضداد. قال شكسبير: «الأحمق يظن نفسه حكيماً، بينما الحكيم يعلم أنه جاهل».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"