فكرة التقدم على المحك

02:52 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

جاءت جائحة كورونا في زمن وصلت فيه فكرة التقدم إلى مستويات غير مسبوقة من الازدهار، لقد نشأت الفكرة مع مشروع التنوير الأوروبي، والذي كان على ثقة وقناعة أكيدة بأن التاريخ يسير نحو الأفضل، وإذا تابعنا العديد من المنجزات البشرية خلال العقود القليلة الماضية، سنجد ما يمنح فكرة التقدم وجاهتها، وأهميتها، فلا يمر يوم إلا ونقرأ عن اكتشاف علمي واعد، وكنا عندما نستمع إلى حديث هذا العالم، أو ذاك، نشعر بأن ما كنا نظنه خيالاً بات أقرب إلينا من أي وقت مضى، وبدت حياة البشر أفضل بكثير من حيث انتشار التعليم، وجودته، والرعاية الصحية، والتمتع بثمار الثورة التكنولوجية، فضلاً عن معدلات سفر عالمية غير مسبوقة، وتكررت هذه المشاهد في العديد من المجالات، في الاقتصاد، والثقافة..إلخ، وكانت هناك الكثير من المشاكل، ولكن الصورة العامة في مجملها، وللوهلة الأولى، بدت مشجعة، تشير إلى أن البشر يتقدمون بالفعل نحو الأفضل.
هذه الصورة شبه «الوردية» هي التي أدت إلى كل هذا القلق، والتوتر الذي يعانيه معظمنا في ظل «كورونا»، فتاريخ الأوبئة يقول لنا إن هذا الفيروس لا يعد شيئاً مقارنة مع أوبئة أخرى شهدتها البشرية في الماضي، فبقدر ما كانت الصورة مبشرة، وواعدة بقدر ما كانت صدمتنا.
لم تكن الصدمة نتيجة لسؤال مكبوت، يسكن داخل الكثيرين منا، أين هم أولئك العلماء الذين أدخلونا للحظات إلى عالم كل ما فيه أشبه بالمعجزات؟ ولكن بدا واضحاً أيضا أن فكرة التقدم، على مستوياتها كافة، محل شك، أو تحتاج إلى مراجعة، لقد كشف «كورونا» أن هناك قطاعات واسعة من البشر تحتاج إلى من يذكّرها باستمرار بأبجديات الوقاية الشخصية، مثل غسل اليدين، فضلاً عن قطاعات أخرى لا تمتلك ما يوفر لها شروط تلك الوقاية، بل حتى لا تستمتع بمياه شرب نظيفة، أما إذا نظرنا إلى الأمور بمعيار أخلاقي، فسنجد الكثير من الأخبار تدفعنا إلى الحزن، والاكتئاب، وإذا أخذنا في الاعتبار الخرافات فسنصادف طوفاناً من الجهل واللا عقلانية.
الآن، لا يستطيع أحد أن يجزم متى تنتهي أزمة كورونا نهائياً، وربما تدفع وقائعها إلى تفكير يدفع الكثير من المنظّرين إلى إعادة النظر في المقولات الراسخة، وربما يصحب ذلك تحول على الأرض، وربما أيضاً لا يحدث شيء، ولكن في كل الأحوال، يجب أن نستفيد من الأزمة في أن ننظر بعين ناقدة إلى كل ما يحدث حولنا، عين تبصر الصورة من زواياها كافة، فحياة الملايين من البشر في ظل وعود التقدم الخلابة كانت لا آدمية، تفتقد إلى أدنى شروط الكرامة الإنسانية، ومن اللا أخلاقية أن تظل كذلك في المستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"